الزهراوي

الزهراوي

 

أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي (المتوفي عام 427 هـ) المعروف في العالم الغربي باسم Albucasis, هو طبيب عربي مسلم عاش في الأندلس. يعد أعظمالجراحين الذين ظهروا في العالم الإسلامي، ووصفه الكثيرون بأبو الجراحة الحديثة.[2] أعظم مساهماته في الطب هو كتاب «التصريف لمن عجز عن التأليف», الذي يعد موسوعة طبية من ثلاثين مجلدًا.[3] كان لمساهماته الطبية سواء في التقنيات الطبية المستخدمة أو الأجهزة التي صنعها تأثيرها الكبير في الشرق والغرب، حتى أن بعض اختراعاته لا تزال مستخدمة إلى اليوم.[4]

يعد الزهراوي أول طبيب يصف الحمل المنتبذ، كما أنه أول من اكتشف الطبيعة الوراثية لمرض الناعور.[4]

 

سيرته

ولد الزهراوي في مدينة الزهراء،[5] وترجع أصوله إلى الأنصار.[6] عاش الزهراوي في قرطبة، حيث درس وعلّم ومارس الطب والجراحة. ولم يتم الإشارة لاسم الزهراوي إلا من خلال كتابات ابن حزم الذي عدّه من ضمن أعظم أطباء الأندلس. أما أول من كتب سيرته الذاتية فهو الحميدي في كتابه «جذوة المقتبس في ذكر علماء الأندلس»، الذي كتبه بعد 60 عامًا من وفاة الزهراوي حيث قال عنه أنه: «من أهل الفضل والدين والعلم».

وقال عنه ابن أبي أصيبعة: «كان طبيبًا فاضلاً خبيرًا بالأدوية المفردة والمركبة، جيد العلاج، وله تصانيف مشهورة في صناعة الطب، وأفضلها كتابه الكبير المعروف بالزهراوي، ولخلف بن عباس الزهراوي من الكتب كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف، وهو أكبر تصانيفه وأشهرها، وهو كتاب تام في معناه.»[7]ووصفه غوستاف لوبون بأنه: «أشهر جراحي العرب، ووصف عملية سحق الحصاة في المثانة على الخصوص، فعُدَّت من اختراعات العصر الحاضر على غيرِ حقٍّ».[8] وقد توفي الزهراوي عام 427 هـ.[9]

أعماله

تخصص الزهراوي في علاج الأمراض بالكي، كما اخترع العديد من أدوات الجراحة كالتي يفحص بها الإحليل الداخلي، والذي يدخل أو يخرج الأجسام الغريبة من وإلى الحلقوالتي تفحص الأذن وغيرها، وهو أول من وصف الحمل المنتبذ عام 963 م.[4] كما أنه أول من وضّح الأنواع المختلفة لأنابيب البذل، وأول من عالج الثؤلول باستخدام أنبوب حديدي ومادة كاوية، وهو أول من استخدم خطافات مزدوجة في العمليات الجراحية،[10] وأول من توصل إلى طريقة ناجحة لوقف النزيف بربط الشرايين الكبيرة قبل باري بستمائة عام.[11] وقد وصف الزهراوي الحقنة العادية والحقنة الشرجية وملاعق خاصة لخفض اللسان وفحص الفم، ومقصلة اللوزتين، والجفت وكلاليب خلع الأسنان، ومناشير العظام والمكاوي والمشارط على اختلاف أنواعها.[8]

الزهراوي أيضًا أول من وصف عملية القسطرة، وصاحب فكرتها والمبتكر لأدواتها، وهو الذي أجرى عمليات صعبة في شق القصبة الهوائية، وكان الأطباء قبله مثل ابن سينا والرازي، قد أحجموا عن إجرائها لخطورتها. وابتكر الزهراوي أيضًا آلة دقيقة جدًّا لمعالجة انسداد فتحة البول الخارجية عند الأطفال حديثي الولادة؛ لتسهيل مرور البول، كما نجح في إزالة الدم من تجويف الصدر، ومن الجروح الغائرة كلها بشكل عام. والزهراوي هو أول من صنع خيطانًا لخياطة الجراح، واستخدمها في جراحة الأمعاء خاصة، وصنعها من أمعاء القطط، وأول من مارس التخييط الداخلي بإبرتين وبخيط واحد مُثبَّت فيهما.[12]

وللزهراوي إضافات مهمة جدًّا في علم طب الأسنان وجراحة الفكَّيْنِ، وقد أفرد لهذا الاختصاص فصلاً خاصًّا به، شرح فيه كيفية قلع الأسنان بلطف، وأسباب كسور الفك أثناء القلع، وطرق استخراج جذور الأضراس، وطرق تنظيف الأسنان، وعلاج كسور الفكين، والأضراس النابتة في غير مكانها، وبرع في تقويم الأسنان. وفي التوليد والجراحة النسائية، وصف وضعيت فالشر للولادة،[13] إضافةً إلى وصف طرق التوليد وطرق تدبير الولادات العسيرة، وكيفية إخراج المشيمة الملتصقة، والحمل خارج الرحم، وطرق علاج الإجهاض، وابتكر آلة خاصة لاستخراج الجنين الميت، وهو أول من استعمل آلات خاصة لتوسيع عنق الرحم،[8] وآلات لاستئصال أورام الأنف وهي كالسنارة، وآلات لاستخراج حصاة المثانة بالشق والتفتيت.[13] وأول من بحث في التهاب المفاصل والسل في فقرات الظهر، قبل برسيفال بوت بسبعمائة عام،[14] وأشار إلى استخدام النساء في التمريض،[15]وهو أول من استعمل القطن لإيقاف النزيف.[16] كما صنع الزهراوي أول أشكال اللاصق الطبي الذي لا زال يستخدم في المستشفيات إلى الآن.[17]

صفحة من نسخة لترجمة لاتينية من كتاب التصريف ترجع لعام 1531 م.

كتاب التصريف

أتم الزهراوي كتابه «التصريف لمن عجز عن التأليف» عام 1000 م، وهو من ثلاثين مجلد من الممارسات الطبية والذي جمع فيه العلوم الطبية والصيدلانية في زمانه، والذي غطى نطاق واسع من الموضوعات الطبية منها طب الأسنان والولادة التي جمع معلوماته على مدى 50 عامًا من ممارسته للطب، واحتوي على وصف تشريحي وتصنيف للأمراض والجوانب الطبية المتعلقة بالجراحة والجراحات التجبيرية والصيدلة وغيرها، إلا أن محتواه الأبرز كان في الجراحة.[18] الذي قال عنه ابن حزم: «ولئن قلنا إنه لم يؤلف في الطب أجمع منه ولا أحسن للقول والعمل في الطبائع، لنصدقن»،[19] والذي ترجمه جيراردو الكريموني إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر،[20][21] والذي ظل يستخدم لخمسة قرون في أوروبا العصور الوسطى، وكان المصدر الأساسي للمعرفة الطبية بأوروبا، واستخدمه الأطباء والجراحون كمرجع لهم.

حلَ كتاب الزهراوي في الجراحة محلَ كتابات القدماء، وظل المرجع في الجراحة حتى القرن السادس عشر، وقد اشتمل هذا الكتاب على صور توضيحية لآلات الجراحة؛ وقد ساعدت آلاته هذه على وضع حجر الأساس للجراحة في أوروبا.[22] وصف الزهراوي في كتابه أدوات الجراحة التي صنعاها ورسمها، وحدد طريقة استعمالها، وشرح ما يفسد الجراحات وما يتوقف عليه نجاحها.[23] وقد وصف كتاب التصريف ما عُرف بعدئذ بطريقة كوخر لمعالجة خلع الكتف، ووضعية فالشر للولادة. ووصف كذلك كيفية ربط الأوعية الدموية قبل أمبرواز باريه، وهو أول كتاب يوثّق أدوات طب الأسنان، ويشرح الطبيعة الوراثية للناعور.[16] ووصف الزهراوي كيفية استعمال الملاقط في الولادات الطبيعية.[24]وصنع ملقط لاستخراج الجنين الميت من الرحم.[25]

في كتاب التصريف، وصف الزهراوي ما عُرف بعد ذلك باسم «طريقة كوشر» (بالإنجليزية: Kocher’s method) لمعالجة خلع الكتف و«وضعية والشر» (بالإنجليزية: Walcher position) في طب التوليد. وصف الكتاب أيضًا كيفية ربط الأوعية الدموية قبل حوالي 600 عام من وصف أمبرواز باريه لها عبر الكي,[26] وهو أول كتاب يصف عدد من أجهزة طب الأسنان، وشرح الطبيعة الوراثية لمرض الناعور.[4] كما وصف طريقة جراحية لكيّ الشريان الصدغي لعلاج الصداع النصفي أيضًا قبل باريه بستمائة عام.[27] كما اخترح أكثر من 200 أداة جراحة.[28][29] استخدم الزهراوي خيوط من أمعاء القطط في الجراحات الداخلية،[30] حيث أنها المادة الطبيعية الوحيدة التي تتحلل ويتقبّلها الجسد البشري. اخترع الزهراوي أيضًا ملقطًا جراحيًا لاستخراج الأجنة الميتة، ووصفه في كتابه.[31]

في علم الصيدلة, كان الزهراوي رائدًا في تحضير الأدوية باستخدام تقنيات التسامي والتقطير. كان كتابه الذي ترجم إلى اللاتينية تحت اسم «Liber Servitoris» له أهمية خاصة، لأنه يمد القاريء بالوصفات والشرح لكيفية تحضير عينات من العقاقير المركبة.[32] وقد قال عنه ابن أبي أصيبعة أنه كان خبيرًا بالأدوية المفردة والمركبة.[7]

عارض الزهراوي في كتابه رأي القدماء في قولهم بأن الكي لا يصلح إلا في فصل الربيع، وقال بأنه صالح طوال العام.[33] وعارض أيضًا رأيهم بأن الذهب الأفضل للكي، حيث قال بأنه يفضل استخدام الحديد كونه أنجح من الذهب في تلك الممارسة.[34] وفي حديثه عن كي ذات الجنب، ذكر الزهراوي خطأ القدماء في الكي بالحديد المُحمّى حتى الاحمرار للوصول إلى الخراج وانتزاعه، قائلاً بأن ذلك خطير وقد يؤدي للوفاة أو أن الخراج قد يعود للظهور في نفس المكان.[35]

وللزهراوي غير هذا الكتاب مؤلفات أخرى، مثل «مقالة في عمل اليد» و«مختصر المفردات وخواصها»، وقد قال الزركلي أنه اقتنى للزهراوي مخطوطة مغربية بخط أندلسي مرتبة على الحروف من الألف إلى الياء، بعنوان «كتاب فيه أسماء العقاقير باليونانية والسريانية والفارسية والعجمية، وتفسير الأكيال والأوزان، وبدل العقاقير وأعمارها، وتفسير الأسماء الجارية في كتب الطب».[9]

أثره

يعد الزهراوي أكبر المرجعيات الجراحية في العصور الوسطى.[36] وصف دونالد كامبل مؤرخ الطب العربي تأثير الزهراوي على أوروبا:[37] «ألغت طرق الزهراوي طرق جالينوس، وحافظت على مركز متميز في أوروبا لخمسمائة عام. … كما ساعد على رفع مكانة الجراحة في أوروبا المسيحية، …» وفي القرن الرابع عشر، استشهد الجراح الفرنسي غي دي شولياك بكتاب «التصريف لمن عجز عن التأليف» أكثر من 200 مرة. ووصف بيترو أرغالاتا (المتوفي عام 1453 م) الزهراوي بقوله “بلا شك هو رئيس كل الجراحين”. وقد ظل تأثير الزهراوي حتى عصر النهضة، حيث استشهد الجراح الفرنسي جاك ديلشامب بكتابه التصريف.[38]

الجزري

الجزري

بديع الزمان أَبو العز بن إسماعيل بن الرزاز الجزري الملقب بـ الجزري (11361206) عالم مسلم عربي[1][2][3][4][5][6][7][8][9] يعتبر من أحد أعظم المهندسينوالميكانيكين والمخترعين في التاريخ.

ولد الجزري في منطقة جزيرة ابن عمر التي تقع اليوم في الأقاليم السورية الشمالية على نهر دجلة، ثم عمل كرئيس المهندسين في ديار بكر (آمد) شمال الجزيرة الفراتية. حظي الجزري برعاية حكام ديار بكر من بني أرتق، ودخل في خدمة ملوكهم لمدة خمس وعشرين سنة، وذلك ابتداء من سنة 570هـ/1174م، فأصبح كبير مهندسي الميكانيكا في البلاط. صمم الجزري آلات كثيرة ذات أهمية كبيرة كثير منها لم يكن معروفا في أي مكان في العالم من قبل. من آلاته: آلات رفع الماء وساعات مائية ذات نظام تنبيه ذاتي وصمامات تحويل وأنظمة تحكم ذاتي وكثير غيرها شرحها في مؤلفه الرائع المزود برسومات توضيحية الذي أسماه “الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل”.

 

من أعماله

كان الجزري يجمع بين العلم والعمل والتحريض عليه ويمثل وصفه للآلات وصف مهندس مخترع مبدع عالم بالعلوم النظرية والعلمية، ومن أهم تصميماته:

  • مضخة ذات أسطوانتين متقابلتين، وهي تقابل حاليا المضخات الماصة والكابسة.
  • نواعير رفع الماء عن طريق الاستفادة من الطاقة المتوفرة في التيار الجاري في الأنهار.
  • مضخة الزنجير والدلاء: هي نوع من آلات السقوط وهذه الآلات تعطي مردود حركي بفضل سقوط الماء على المغارف وتحتاج عادة مثل هذه الآلات إلى رفع منسوب الماء عن طريق سدود أو مصادر مائية أخرى.
  • صناعة الآلات ذاتية الحركة العاملة بالماء والساعات المائية والآلات الهيدروليكية التي ابتكرها علماء المسلمين وطورها الجزري.
  • وصف لعدد من الآلات الميكانيكية المختلفة من ضاغطة، ورافعة، وناقلة، ومحركة. كما أنه وصف بالتفصيل تركيب الساعات الدقيقة التي أخذت اسمها من الشكل الخاص الذي يظهر فوقها: ساعة القرد، وساعة الفيل، وساعة الرامي البارع، وساعة الكاتب، وساعة الطبال، إلخ. وتعتبر ساعة الفيل الضخمة أهم اختراعاته و مصدر عزه وفخره.

ويذكر دونالد هيل بأن الجزري صنع ساعات مائية وساعات تتحرك بفتائل القناديل وآلات قياس ونوافير وآلات موسيقية وأخرى لرفع المياه. كما صنع إبريقاً جعل غطاءه على شكل طير يصفر عند استعماله لفترة قصيرة قبل أن ينزل الماء. كما ذكر ألدو مييلي أن الجزري صنع ساعة مائية لها ذراعان تشيران إلى الوقت.

 

فضله

رسم لـ آلة موسيقية من اختراعات الجزري “الذي كان له شغف في الموسيقى”.

صورة من كتاب «الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل».

كان علم الجزري أحد الأسس النهضة العلمية في الحضارة العربية الإسلامية التي انتقلت فيما بعد إلىأوروبا. فقد اعترف العالم لين وايت والكثير من علماء الغرب أن الكثير من تصاميم الآلات التي ابتكرها الجزري قد نقلت إلى أوروبا، وان التروس القطعية ظهرت لأول مرة في مؤلفات الجزري، وأنها لم تظهر في أوروبا إلا بعد الجزري بقرنين في ساعة جيوفاني ديدوندي الفلكية. كما كان الجزري أول من تحدث عن ذراع الكرنك. كما ابتكر الجزري آلات رفع المياه، واستخدم الكرات المعدنية للإشارة إلي الوقت في الساعات المائية.

تكمن أهمية تصميمات الجزري بأن كافة آلات رفع الماء المعقدة ذات الزنجير والدلاء الموضوعة قبل زمانه كانت تدور بقوة دفع الحيوانات وليس بقوة الماء وهو الذي وضع أساس الاستفادة من الطاقة الكامنة للمياه بشكل عملي.

مؤلفاته

يعدّ كتاب الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل أهم كتب الجزري. وقد كلفه بتصنيفه الملك ناصر الدين محمود بن محمد بن قرا أحد سلاطين بنى أرتق في ديار بكر، أيام الخليفة العباسي أبو العباس أحمد الناصر لدين الله سنة 1181 م. وقد أتم كتابته سنة (1206 م)، أي أن الكتاب كان نتيجة عمل دام خمسا وعشرين سنة من الدراسة والبحث. في هذا العمل قدم الجزري عددا كبيرا من التصاميم والوسائل الميكانيكية، إذ قام بتصنيف الآلات في ست فئات حسب الاستخدام وطريقة الصنع، وكانت هذه أساسا للتصنيفات الأوروبية في عصر النهضة. وفي الكتاب دراساته وأبحاثه في الساعات، والفوارات المائية، والآلات الرافعة للماء والأثقال. ويعد الكتاب “أروع ما كتب في القرون الوسطى عن الآلات الميكانيكية والهيدروليكية”. وقد أبهرت اختراعاته المهندسين على مر العصور وكتبه مترجمة إلى عدة لغات.

توجد نسخ من كتاب الجزري في عدد من المتاحف العالمية كالباب العالي في اسطنبول ومتحف الفنون الجميلة في بوسطن ومتحف اللوفر في فرنسا ومكتبة جامعة أوكسفورد. اشتهر الكتاب كثيراً في الغرب، وقام بترجمة بعض فصوله إلى الألمانية كل من فيدمان (بالألمانيةWiedmannوهاوسر (بالألمانيةHawser) في الربع الأول من القرن العشرين. كما ترجمه إلى الإنجليزية دونالد هيل (بالإنكليزيةHill) المتخصص في تاريخ التكنولوجيا العربية. وقد أصدر معهد التراث العلمي العربي في حلب بسورية، سنة 1979 م النص العربي، بعد أن قام بمراجعته وتحقيقه أحمد يوسف الحسن.

 

 

 

ابن النفيس

ابن النفيس

 

أبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحزم القَرشي الدمشقي الملقب بابن النفيس ويعرف أحياناً بالقَرَشي بفتح القاف والراء نسبة إلى بلدة (القرَش) التي تقع بقربدمشق . (607هـ/1213م، دمشق – 687هـ/1288 م) هو عالم موسوعي وطبيب عربي مسلم، له إسهامات كثيرة في الطب، ويعد مكتشف الدورة الدموية الصغرى،[1] وأحد رواد علم وظائف الأعضاء في الإنسان، حيث وضع نظريات يعتمد عليها العلماء إلى الآن. عين رئيسًا لأطباء مصر.[2][3] ويعتبره كثيرون أعظمفيزيولوجييّ العصور الوسطى.[4] ظل الغرب يعتمدون على نظريته حول الدورة الدموية، حتى اكتشف ويليام هارفي الدورة الدموية الكبرى.[5]

 

نشأته وحياته

ولد بدمشق في سوريا عام 607هـ على وجه التقريب، ونشأ وتعلم بها في مجالس علمائها ومدارسها.[6] قيل إن لقبه القَرشي نسبة إلى القرش، حيث ذكر ابن أبي أصيبعة أنها قرية قرب دمشق،[7] وتذكر دائرة المعارف الإسلامية أنه ولد على مشارف غوطة دمشق، وأصله من بلدة قُريشية قرب دمشق.[8] والراجح انه من قبيلة قريش من بني مخزوم من الخوالد [9] ، وورد لقبه في أول طبعة لكتابه “الموجز”: القرشي (بفتح القاف والراء: Karashite). تعلم في البيمارستان النوري بدمشق، كما كان ابن النفيس معاصرًا لمؤرخ الطب الشهير ابن أبي أصيبعة، صاحب (عيون الأنباء في طبقات الأطباء)، ودرس معه الطب على ابن الدخوار.[10]

وقد درس ابن النفيس أيضًا الفقه الشافعي، كما كتب العديد من الأعمال في الفلسفة، وكان مهتما بالتفسير العقلاني للوحي. وخلافًا لبعض معاصريه والسلف، اعتمد ابن النفيس على العقل في تفسير نصوص القرآن و الحديث.[11] كما درس اللغة والمنطق والأدب.

هناك اختلاف حول تاريخ انتقاله إلى القاهرة، إلا أنه يمكن تقدير ذلك في الفترة بين عامي 633 هـ (1236مو636 هـ (1239م)[12] وعند انتقال ابن النفيس للقاهرة عمل في المستشفى الناصري،[13] وبعد ذلك في مستشفى المنصوري الذي أنشأه السلطان قلاوون، حيث أصبح “رئيسًا للأطباء”.[14] كما أصبح طبيبًا خاصًا للسلطان الظاهر بيبرس بين عامي 1260 و 1277.[14]

كان لابن النفيس مجلس في داره يحضره أمراء القاهرة ووجهاؤها وأطباؤها، كما كان ابن النفيس أعزب فأغدق على بناء داره في القاهرة، وفرش أرضها بالرخام حتى إيوانها. أما عن وصفه، فقد كان نحيفًا طويل القامة أسيل الخدين، ولم تقتصر شهرته على الطب فقط، بل كان يعد من كبار علماء عصره في اللغة والفلسفة والفقه والحديث.

إسهاماته العلمية

في عام 1242، نشر ابن النفيس أكثر أعماله شهرة، وهو كتاب “شرح تشريح قانون ابن سينا“، الذي تضمن العديد من الاكتشافات التشريحية الجديدة، وأهمها نظريته حول الدورة الدموية الصغرى وحول الشريان التاجي، وقد اعتبر هذا الكتاب أحد أفضل الكتب العلمية التي شرحت بالتفصيل مواضيع علم التشريح وعلم الأمراض وعلم وظائف الأعضاء، كما صوّب فيه العديد من نظريات ابن سينا.[15][16][17] بعد ذلك بوقت قصير، بدأ العمل على كتابه “الشامل في الصناعة الطبية، الذي نشر منه 43 مجلد في عام 1244، وعلى مدى العقود التالية، كتب 300 مجلد لكنه لم يستطيع نشر سوى 80 مجلدا فقط قبل وفاته،[18] وبعد وفاته حلّ كتابه هذا محل “قانون” ابن سينا موسوعة طبية شاملة في العصور الوسطى، مما جعل المؤرخين يصفونه بأنه “ابن سينا الثاني”.[19]

كان ابن النفيس قبل ذلك قد كتب كتابه “شرح الأدوية المركبة”، تعقيبًا على الجزء الأخير من قانون ابن سينا الخاص بالأدوية، وقد ترجمه “أندريا ألباجو” إلى اللاتينية في عام 1520، ونشرت منه نسخة مطبوعة في البندقية في عام 1547،[20][21] والتي استفاد منها ويليام هارفي في شرحه للدورة الدموية الكبرى.[22]

اتصفت آراء ابن النفيس في الطب بالجرأة، فقد فنّد العديد من نظريات ابن سينا وجالينوس وصوّبها.[23]

فُقد العديد من مؤلفات ابن النفيس عقب سقوط بغداد عام 1258، الذي شهد خسارة وتدمير العديد من الكتب المهمة لكثير من علماء المسلمين.[24]

اكتشافه للدورة الدموية الصغرى

يعتبر اكتشافه للدورة الدموية الصغرى أحد أهم إنجازاته، حيث قال:

إن الدم ينقى في الرئتين من أجل استمرار الحياة وإكساب الجسم القدرة على العمل، حيث يخرج الدم من البطين الأيمن إلى الرئتين، حيث يمتزج بالهواء، ثم إلى البطين الأيسر.[25]

كان الرأي السائد في ذلك الوقت، أن الدم يتولد في الكبد ومنه ينتقل إلى البطين الأيمن بالقلب، ثم يسري بعد ذلك في العروق إلى مختلف أعضاء الجسم.[26]

ظل اكتشاف ابن النفيس للدورة الدموية الصغرى (الرئوية) مجهولاً للمعاصرين حتى عثر محيي الدين التطاوي عام 1924، أثناء دراسته لتاريخ الطب العربي على مخطوط في مكتبة برلين رقمه 62243 بعنوان “شرح تشريح القانون”، فعني بدراسته وأعد حوله رسالة للدكتوراه من جامعة فرايبورج بألمانيا موضوعها “الدورة الدموية عند القرشي”.[27] ولجهل أساتذته بالعربية، أرسلوا نسخة من الرسالة للمستشرق الألماني مايرهوف (المقيم بالقاهرة وقتها)، فأيد مايرهوف التطاوي.[28] وأبلغ الخبر إلى المؤرخ جورج سارتون الذي نشره في آخر جزء من كتابه “مقدمة إلى تاريخ العلوم”.[29].

من أهم مؤلفاته

الصفحة الأولى من إحدى كتب ابن النفيس الطبية. وهذه نسخة صنعت في الهند في القرن السابع عشر أو الثامن عشر..

في الطب

لابن النفيس العديد من المؤلفات في الطب، أهمها:

  • الشامل في الصناعة الطبية أضخم موسوعة طبية كتبها شخص واحد في التاريخ الإنساني، وقد وضع مسودتها بحيث تقع في ثلاثمائة مجلد بيّض منها ثمانين. وتمثل هذه الموسوعة الصياغة النهائية والمكتملة للطب والصيدلة في الحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى.
  • شرح تشريح القانون: جمع فيه أجزاء التشريح المتفرقة في كتاب القانون لابن سينا وشرحها، وفيه وصف الدورة الدموية الصغرى وهو الذي بيّن أن ابن النفيس قد سبق علماء الطب إلى معرفة هذا الموضوع من الفيزيولوجيا.
  • شرح فصول أبقراط: موجود في مكتبات برلين وجوتا وإلسفورد وباريس ومكتبة الإسكوريال، وتوجد نسخة في آيا صوفيا بتاريخ 678هـ، وقد طبع في إيران سنة 1298هـ.[30]
  • المهذب في الكحل: مكتبة الفاتيكان،[30] وهو كتاب موسوعي في الطب يشبه كتاب (الحاوي) لأبي بكر الرازي.
  • كتاب موجز القانون أوالموجز في الطب: تناول كل أجزاء القانون فيما عدا التشريح ووظائف الأعضاء.[30]
  • المختار في الأغذية: لم يذكر في أي ترجمة من تراجمه، ولكنه موجود في مكتبة برلين.[30]
  • شرح تشريح جالنيوس: (آيا صوفيا) إلا أن نسبته لابن النفيس ليست أكيدة[30]

إضافة إلى العديد من المؤلفات الطبية الأخرى مثل:

  • “بغية الطالبين وحجة المتطببين” و”بغية الفطن من علم البدن”
  • “الرماد” و”شرح كتاب الأوبئة لأبقراط”a[30]
  • “شرح مسائل حنين بن اسحاق” و”شرح مفردات القانون”
  • “تفسير العلل وأسباب الأمراض”[31]
  • “شرح الهداية في الطب”.

مؤلفات غير طبية

كما أن له مؤلفات في اللغة والدين والفلسفة والمنطق مثل:

في اللغة

  • “طريق الفصاحة” (نحو)

في الفقه

في المنطق

في السيرة النبوية

  • “الرسالة الكاملية” (سيرة نبوية)

في علم الحديث الشريف

  • “مختصر في علم أصول الحديث” (حديث)

في المنطق والطبيعة والفلك والحساب والعلوم الإلهية

  • “شرح كتاب الشفاء لابن سينا” وهو كتاب شمل المنطق والطبيعة والفلك والحساب والعلوم الإلهية[32]

علم الكلام

  • “فاضل بن ناطق” وهو كتاب صغير عارض فيه رسالة حي بن يقظان (علم الكلام).[33]

وفاته

بقي ابن النفيس حتى وفاته في القاهرة،[34] وعندما بلغ الثمانين من العمر مرض ستة أيام مرضاً شديداً وحاول الأطباء أن يعالجوه بالخمر وهو يقاسى عذاب المرض قائلاً:

لا ألقى الله وفى جوفى شيء من الخمر.

ولم يطل به المرض فقد توفى في فجر يوم الجمعة الموافق(21 ذى القعده 687 هـ/ 17 ديسمبر 1288م)،[35] وقد أوقف داره وكتبه وكل ما له على المستشفى المنصوري في القاهرة قائلاً: إن شموع العلم يجب أن تضيء بعد وفاتي.[14][36][37]

يعقوب بن إسحاق الكندي

يعقوب بن إسحاق الكندي

 

أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (185 هـ/805 – 256 هـ/873علاّمة عربي مسلم، برع في الفلك والفلسفة والكيمياء والفيزياء والطب والرياضياتوالموسيقى وعلم النفس والمنطق الذي كان يعرف بعلم الكلام، والمعروف عند الغرب باسم (باللاتينيةAlkindus)، ويعد الكندي أول الفلاسفة المتجولين المسلمين، كما اشتهر بجهوده في تعريف العرب والمسلمين بالفلسفة اليونانية القديمة والهلنستية.[1]

أوكل إليه المأمون مهمة الإشراف على ترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية اليونانية إلى العربية في بيت الحكمة، وقد عدّه ابن أبي أصيبعة مع حنين بن إسحق وثابت بن قرة وابن الفرخان الطبري حذّاق الترجمة المسلمين.[2] كان لاطلاعه على ما كان يسميه علماء المسلمين آنذاك “بالعلوم القديمة” أعظم الأثر في فكره، حيث مكّنه من كتابة أطروحات أصلية في الأخلاقيات وما وراء الطبيعة والرياضيات والصيدلة.[3][4]

في الرياضيات، لعب الكندي دورًا هامًا في إدخال الأرقام الهندية إلى العالم الإسلامي والمسيحي،[5] كما كان رائدًا في تحليل الشفرات، واستنباط أساليب جديدة لاختراق الشفرات.[6] باستخدام خبرته الرياضية والطبية، وضع مقياس يسمح للأطباء قياس فاعلية الدواء،[7] كما أجرى تجارب حول العلاج بالموسيقى.[8]

كان الشاغل الذي شغل الكندي في أعماله الفلسفية، هو إيجاد التوافق بين الفلسفة والعلوم الإسلامية الأخرى، وخاصة العلوم الدينية. تناول الكندي في الكثير من أعماله مسائل فلسفية دينية مثل طبيعة الله والروح والوحي.[9] لكن على الرغم من الدور المهم الذي قام به في جعل الفلسفة في متناول المثقفين المسلمين آنذاك، إلا أن أعماله لم تعد ذات أهمية بعد ظهور علماء مثل الفارابي بعده بعدة قرون، ولم يبق سوى عدد قليل جدًا من أعماله للعلماء المعاصرين لدراستها. مع ذلك، لا يزال الكندي يعد من أعظم الفلاسفة ذوي الأصل العربي، لما لعبه من دور في زمانه، لهذا يلقب بـ “أبو الفلسفة العربية” أو “فيلسوف العرب”.[10]

حياته

الكندي هو أبو يوسف يعقوب بن إسحق بن الصّبّاح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي،[11] ولد في الكوفة في بيت من بيوت شيوخ قبيلة كندة. كان والده واليًا على الكوفة، حيث تلقى علومه الأولية، ثم انتقل إلى بغداد، حيث حظي بعناية الخليفتين المأمون والمعتصم، حيث جعله المأمون مشرفًا على بيت الحكمة – الذي كان قد أنشئ حديثًا لترجمة النصوص العلمية والفلسفية اليونانية القديمة – في بغداد. عرف الكندي أيضًا بجمال خطه، حتى أن المتوكل جعله خطاطه الخاص.[10]

عندما خلف المعتصم أخيه المأمون، عينه المعتصم مربيًا لأبنائه. ولكن مع تولي الواثق والمتوكل، أفل نجم الكندي في بيت الحكمة. هناك عدة نظريات لتفسير سبب حدوث ذلك، فقد رجح البعض أن ذلك بسبب التنافس في بيت الحكمة، والبعض قال أن السبب تشدد المتوكل في الدين، حتى أن الكندي تعرّض للضرب، وصودرت مؤلفاته لفترة. فقد قال هنري كوربين – الباحث في الدراسات الإسلامية – أن الكندي توفي في بغداد وحيدًا عام 259 هـ/873 م في عهد الخليفة المعتمد.[10]

بعد وفاته، اندثر الكثير من أعمال الكندي الفلسفية، وفقد الكثير منها. يشير فيليكس كلاين فرانكه إلى وجود عدد أسباب لذلك، فبصرف النظر عن تشدد المتوكل الديني، فقد دمّر المغول عددًا لا يحصى من الكتب، عند اجتياحهم بغداد. إضافة إلى سبب أكثر احتمالاً وهو أن كتاباته لم يتعد تلقى قبولاً بين أشهر الفلاسفة اللاحقين كالفارابي وابن سينا.[12]

إسهاماته العلمية

كان الكندي عالمًا بجوانب مختلفة من الفكر، وعلى الرغم أن أعماله عارضتها أعمال الفارابي وابن سينا، إلا أنه يعد أحد أعظم فلاسفة المسلمين في عصره. وقد قال عنه المؤرخ ابن النديم في الفهرست :

   

يعقوب بن إسحاق الكندي

فاضل دهره وواحد عصره في معرفة العلوم القديمة بأسرها، ويسمى فيلسوف العرب.[13] ضمت كتبه مختلف العلوم كالمنطق والفلسفة والهندسة والحساب والفلك وغيرها، فهو متصل بالفلاسفة الطبيعيين لشهرته في مجال العلوم.[14]
   

يعقوب بن إسحاق الكندي

كما اعتبره باحث عصر النهضة الإيطالي جيرولامو كاردانو واحدًا من أعظم العقول الاثنى عشر في العصور الوسطى.[15]

علم الفلك

اتبع الكندي نظرية بطليموس حول النظام الشمسي، والتي تقول بأن الأرض هي المركز لسلسلة من المجالات متحدة المركز، التي تدور فيها الكواكب المعروفة حينها – القمر وعطارد والزهرة والشمس والمريخ والمشتري والنجوم -، وقال عنها أنها كيانات عقلانية تدور في حركة دائرية، ويقتصر دورها على طاعة الله وعبادته. وقد ساق الكندي إثباتات تجاربية حول تلك الفرضية، قائلاً بأنه اختلاف الفصول ينتج عن اختلاف وضعيات الكواكب والنجوم وأبرزها الشمس؛ وأن أحوال الناس تختلف وفقًا لترتيب الأجرام السماوية فوق بلدانهم.[16] إلا أن كلامه هذا كان غامضًا فيما يتعلق بتأثير الأجرام السماوية على العالم المادي.

افترض في إحدى نظرياته المبنية على أعمال أرسطو، الذي تصور أن حركة هذه الأجرام تسبب الاحتكاك في منطقة جنوب القمر، فتحرك العناصر الأساسية التراب والهواء والنار والماء، والتي تتجمع لتكوين كل ما في العالم المادي. ومن وجهة نظر بديلة، وجدت في أطروحته “عن الأشعة”، هو أن الكواكب تتحرك في خطوط مستقيمة. وفي كلا الفرضيتان، قدم الكندي وجهتي نظر تختلفان اختلافًا جوهريًا عن طبيعة التفاعلات المادية، وهما التفاعل عن طريق الاتصال، والتفاعل عن بعد. تكررت تلك الفرضيتان في كتاباته في علم البصريات.[17]

شملت أعمال الكندي الفلكية البارزة[18]، كتاب “الحكم على النجوم” وهو من أربعين فصلاً في صورة أسئلة وأجوبة، وأطروحات حول “أشعة النجوم” و”تغيرات الطقس” و”الكسوف” و”روحانيات الكواكب”.

الطب والكيمياء

للكندي أكثر من ثلاثين أطروحة في الطب، والتي تأثرت فيها بأفكار جالينوس.[19] أهم أعماله في هذا المجال هو كتاب رسالة في قدر منفعة صناعة الطب، والذي أوضح فيه كيفية استخدام الرياضيات في الطب، ولا سيما في مجالالصيدلة. على سبيل المثال، وضع الكندي مقياس رياضي لتحديد فعالية الدواء، إضافة إلى نظام يعتمد على أطوار القمر، يسمح للطبيب بتحديد الأيام الحرجة لمرض المريض.[7]

وفي الكيمياء، عارض الكندي أفكار الخيمياء، القائلة بإمكانية استخراج المعادن الكريمة أو الثمينة كالذهب من المعادن الخسيسة،[20] في رسالة سماها “كتاب في إبطال دعوى من يدعي صنعة الذهب والفضة”.[21] كما أسس الكنديوجابر بن حيان صناعة العطور، وأجرى أبحاثًا واسعة وتجارب في الجمع بين روائح النباتات عن طريق تحويلها إلى زيوت.[22]

البصريات

اعتقد أرسطو لكي يرى الإنسان، يجب أن يكون هناك وسط شفاف بين العين والجسم، يملؤه الضوء، إذا تحقق ذلك، تنتقل صورة الشئ للعين. من ناحية أخرى، اعتقد إقليدس أن الرؤية تحدث نتيجة خروج أشعة في خطوط مستقيمة من العين على كائن ما وتنعكس ثانية إلى العين. لكي يحدد الكندي أي من النظريتين أرجح، جرب الطريقتين. فعلى سبيل المثال، لم تكن نظرية أرسطو قادرة على تفسير تأثير زاوية الرؤية على رؤية الأشياء، فلو نظرنا للدائرة من الجانب، فستبدو كخط. ووفقًا لأرسطو، كان يجب أن تبدو كدائرة كاملة للعين. من ناحية أخرى، كانت نظرية تحتوي على بعد حجمي، فكانت قادرة على تفسير تلك المسألة، فضلاً عن تفسيرها لطول الظلال والانعكاسات في المرايا، لأنه اعتمد على أن الأشعة لا تنتقل إلا في خطوط مستقيمة. لهذا السبب، رجح الكندي نظرية إقليدس،[23] وتوصل إلى “أن كل شيء في العالم… تنبعث منه أشعة في كل إتجاه، وهي التي تملأ العالم كله”.[24] اعتمد ابن الهيثم وروجر بيكون وويتلو وغيرهم.[25]

الرياضيات

ألف الكندي أعمالاً في عدد من الموضوعات الرياضية الهامة، بما فيها الهندسة والحساب والأرقام الهندية وتوافق الأرقام والخطوط وضرب الأعداد والأعداد النسبية وحساب الوقت.[5] كما كتب أربعة مجلدات، بعنوان “كتاب في استعمال الأعداد الهندية”، الذي ساهم بشكل كبير في نشر النظام الهندي للترقيم في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا. في الهندسة، كتب الكندي عن نظرية التوازي، وفي أحد أعماله الرياضياتية حاول إثبات بفكر الفيلسوف دحض فكرة خلود العالم، بإثبات أن اللا نهاية فكرة سخيفة رياضياتيًا ومنطقيًا.[26]

التشفير

الصفحة الأولى من مخطوطة الكندي “في فك رسائل التشفير”، التي تحتوي على أقدم وصف معروف حول تحليل الشفرات.

كان الكندي رائدًا في تحليل الشفرات وعلم التعمية، كما كان له الفضل في تطوير طريقة يمكن بواسطتها تحليل الاختلافات في وتيرة حدوث الحروف واستغلالها لفك الشفرات،[27] اكتشف ذلك في مخطوطة وجدت مؤخرًا في الأرشيف العثماني في اسطنبول، بعنوان “مخطوط في فك رسائل التشفير”، والتي أوضح فيها أساليب تحليل الشفرات، والتشفير والتحليل الإحصائي للرسائل باللغة العربية.[28]

قواعد الموسيقى

كان الكندي أول من وضع قواعد للموسيقى في العالم العربي والإسلامي.[8][29] فاقترح إضافة الوتر الخامس إلى العود،[30] وقد وضع الكندي سلمًا موسيقيًا ما زال يستخدم في الموسيقى العربية من أثنتي عشرة نغمة،[31] وتفوق على الموسيقيين اليونانيين في استخدام الثمن. كما أدرك أيضًا على التأثير العلاجي للموسيقى، وحاول علاج صبي مشلولشللاً رباعيًا بالموسيقى.[8]

للكندي خمسة عشر أطروحات في نظرية الموسيقى، لم يبق منها سوى خمسة فقط، وهو أول من أدخل كلمة “موسيقى” للغة العربية، ومنها انتقلت إلى الفارسية والتركية، وعدة لغات أخرى في العالم الإسلامي.[8]

الفلسفة

كان جهد الكندي الأكبر في تطوير الفلسفة الإسلامية، هو محاولته لتقريب الفكر الفلسفي اليوناني، وجعله مقبولاً عند جمهور المسلمين، من خلال عمله في بيت الحكمة في بغداد،[10] ومن خلال ترجمته للعديد من النصوص الفلسفية الهامة، أدخل الكندي الكثير من المفردات الفلسفية إلى اللغة العربية. قطعًا، لولا أعمال الكندي الفلسفية، لما تمكن الفلاسفة مثل الفارابي وابن سينا والغزالي من التوصل إلى ما توصلوا إليه.[32]

في كتاباته، كان واحدًا من الاهتمامات الكندي الرئيسية للتدليل على التوافق بين الفلسفة واللاهوت الطبيعي من جهة، وعلم الكلام من جهة أخرى. على الرغم من ذلك، فقد قال الكندي أنه يعتقد أن الوحي هو مصدر المعرفة للعقل، لأن مسائل الإيمان المسلم بها لا يمكن استيعابها. كان نهج الكندي الفلسفي بدائيًا، واعتبره المفكرين في وقت لاحق غير مقنع – ربما لأنه كان الفيلسوف الأول الذي يكتب بالعربية -، إلا أنه أدخل بنجاح الفكر الأرسطي والأفلاطوني المحدث إلى الفكر الفلسفي الإسلامي، فكان ذلك عاملاً مهمًا في إدخال تعميم الفلسفة اليونانية إلى الفكر الفلسفي الإسلامي.[33]

مدرسته الفلسفية

يعد الكندي أول فيلسوف مسلم حقيقي،[34] وقد تأثر إلى حد كبير بفكر فلاسفة المدرسة الأفلاطونية المحدثة أمثال بروكليوس وأفلوطين وجون فيلوبونوس، وإن كان قد تأثر ببعض أفكار المدارس الفلسفية الأخرى.[35] وقد استشهد الكندي أيضًا في كتاباته الفلسفية بأرسطو، لكنه حاول إعادة صياغتها في إطار الفلسفة الأفلاطونية المحدثة، ويبدو ذلك أكثر وضوحًا في آرائه حول ما وراء الطبيعة وطبيعة الله.[36] قديمًا، كان يعتقد أن الكندي متأثر بفكر المعتزلة، وذلك بسبب اهتمامه وإياهم بمسألة توحيد الله. ومع ذلك، أثبتت الدراسات الحديثة، أنها كانت مصادفة، فهو يختلف معهم حول عدد من موضوعات عقائدهم.[37]

ما وراء الطبيعة

اعتقد الكندي أن هدف اهتمامات ما وراء الطبيعة من دراسة طبيعة الوجود وتفسير الظواهر الأساسية في الطبيعة ومستويات الوجود وأنواع الكيانات الموجودة في العالم والعلاقة بينها، هو معرفة الله. لهذا السبب، فرّق الكندي بينالفلسفة والإلهيات، لأن كلاهما يناقش نفس الموضوع. عارضه الفلاسفة اللاحقين، وبخاصة الفارابي وابن سينا، بشدة بشأن هذه المسألة، قائلين بأن ما وراء الطبيعة تهتم بطبيعة الوجود، وبالتالي، فهي تتعرض لطبيعة الله.[9]

تركز فهم الكندي لما وراء الطبيعة حول الوحدانية المطلقة لله، التي اعتبرها سمة مفردة فقط لله. ومن هذا المنطلق، فإن كل شيء يوصف بأنه “واحد”، هو في الواقع “واحد” و”متعدد” في ذات الوقت. فعلى سبيل المثال، الجسم واحد، لكنه يتألف أيضًا من العديد من الأجزاء المختلفة. وقد يقول الشخص “أرى فيلاً“، وه يعني أنه يرى فيلاً واحدًا، لكن الفيل مصطلح يشير إلى نوع من أنواع الحيوانات التي تحتوي على عدد من هذا الحيوان. لذلك، فالله وحده “الواحد” وحدانية مطلقة، لا تعددية فيها، دلّ ذلك على فهم عميق للغاية، وإنكار وصف الله بأي وصف يمكن أن يوصف به غيره.[37][38]

إضافة إلى إفراد الوحدانية المطلقة لله، وصف الكندي الله بـ “الخالق”، وقد خالف في تصوره الفلاسفة الأفلاطونيين المحدثين المسلمين اللاحقين حول كون الله المسبب للأسباب، فهو يرى أن الله المسبب للأسباب لأن كل الأسباب تحدث بإرادته.[36][39] كان ذلك التصور أمرًا مهمًا في مراحل تطور الفلسفة الإسلامية، حيث قرّبت بين تصورات الفلسفة الأرسطية ومفهوم الله عند المسلمين.[40]

نظرية المعرفة

تصور إسلامي قديم لأرسطو

للكندي نظرية تقول بأن الله خلق العقل أولاً، ومن خلاله خلق الله جميع الأشياء الأخرى. وبغض النظر عن أهميتها الميتافيزيقية الواضحة، فهي تظهر تأثر الكندي بالواقعية الأفلاطونية.[41]

وفقًا لأفلاطون، فكل شيء موجود في العالم المادي، يرتبط ببعض الأشكال المسلم بها في عالم السماء. هذه الأشكال هي في الحقيقة مفاهيم مجردة كالنوع أو الجودة أو العلاقة، التي تنطبق على جميع الأشياء المادية والكائنات. على سبيل المثال، التفاحة الحمراء تستمد جودة احمرارها من عالمها الخاص. وقد أكد الكندي أن البشر لا يمكنهم تصور تلك الأشياء إلا بمساعدة خارجية. وبعبارة أخرى، أن العقل لا يمكنه فهم الأشياء ببساطة عن طريق فحص واحدة من النوع أو أكثر من مثيلاتها، وأن الأشياء لا تدرك إلا عن طريق التأمل والإدراك بالعقل أولاً.[42]

استخدم الكندي مثالاً لشرح نظريته بالقياس، فقال أن الخشب في الأساس ساخن في حالة كُمون، ولكنه يتطلب شيءًا آخر ساخن فعليًا كالنار، ليظهر ذلك. وبمجرد أن يفهم العقل البشري طبيعة الأشياء، تصبح جزءً من “العقل المكتسب” للفرد، ويتوصل لتلك النتائج متى شاء.[43]

الروح والحياة الآخرة

رأى الكندي أن الروح هي شيء غير مادي، يرتبط بالعالم المادي عن طريق تواجدها في الجسد المادي. لشرح طبيعة وجودنا الدنيوي، أخذ الكندي بفكرة أبكتاتوس، الذي وصف الوجود البشري بسفينة في رحلة عبر المحيط، راسية مؤقتًا على جزيرة، وسمحت لركابها بالنزول، وأن الركاب الذين بقوا لفترة طويلة على الجزيرة، قد تتركهم السفينة عندما تبحر مجددًا. فسر الكندي المثال بمفهوم رواقي، أننا لا يجب أن نرتبط بالأشياء المادية (التي تمثلها الجزيرة)، التي ستزول عنا (عند رحيل السفينة). ثم ربط ذلك بفكرة أفلاطونية محدثة، عندما قال أن أرواحنا يمكن أن نتركها تنساق لتحقيق رغباتنا أو نتحكم بها بعقلانية، فالأولى تنتهي بموت الجسم، أما الأخيرة فتحرر الروح من الجسد لتخلد “في نور الله” في عالم من النعيم الأبدي.[44]

العلاقة بين الوحي والفلسفة

رأى الكندي أن النبوة والفلسفة طريقتان مختلفتان للوصول إلى الحقيقة، وقد فرّق بينهما في أربعة أوجه. أولاً، في الوقت الذي يتوجب على الشخص أن يخضع لفترة طويلة من التدريب والدراسة ليصبح فيلسوف، فإن النبوة يسبغها الله على أحد البشر. ثانيًا، أن الفيلسوف يصل إلى الحقيقة بتفكيره وبصعوبة بالغة، بينما النبي يهديه الله إلى الحقيقة. ثالثا، فهم النبي للحقيقة أوضح وأشمل من فهم الفيلسوف. رابعا، قدرة النبي على شرح الحقيقة للناس العاديين، أفضل من قدرة الفيلسوف. لذا استخلص الكندي أن النبي يتفوق على الفيلسوف في أمرين السهولة والدقة التي يتوصل بها للحقيقة، والطريقة التي كان يقدم بها الحقيقة للعوام. ومع ذلك، فكلاهما يسعى لهدف واحد. لذا، يرى الباحثون الغربيون، أن الكندي وضع فوارق بسيطة بين النبوة والفلسفة.[45][46]

إضافة إلى ذلك، نظر الكندي للرؤى النبوية من وجهة نظر واقعية، فقال أن هناك بعض النفوس “النقية” المعدة إعدادًا جيدًا، قادرة على رؤية أحداث المستقبل. لم يربط الكندي تلك الرؤى أو الأحلام بوحي من الله، لكن بدلاً من ذلك قال أن التخيل يجعل الإنسان قادرًا على إدراك “هيئة” الأشياء دون الحاجة إلى لمس الكيان المادي لتلك الأشياء. لذلك، فإن أي شخص نقي النفس سيكون قادرًا على رؤية مثل تلك الرؤى. هذه الفكرة على وجه التحديد، من بين كل التفسيرات الأخرى للمعجزات النبوية التي هاجمها الغزالي في كتابه “تهافت الفلاسفة“.[47]

الاعتراضات على فكره

رغم أن الكندي أوضح فائدة الفلسفة في الإجابة على الأسئلة ذات الطابع الديني، إلا أن العديد من المفكرين الإسلاميين عارضوا أفكاره تلك، وليس كما يظن البعض أنهم عارضوا الفلسفة لأنها “علمًا أجنبيًا”. يشير “أوليفر ليمان” الخبير في الفلسفة الإسلامية، إلى أن اعتراضات علماء الدين البارزين لم تكن على الفلسفة في حد ذاتها، ولكن كانت على الاستنتاجات التي توصل إليها الفلاسفة. وحتى الغزالي – الذي اشتهر بنقده للفلاسفة – كان خبيرًا بالفلسفة والمنطق، وانتقاداته كانت عبارة عن معارضة لاستنتاجات خاطئة تتعارض مع الدين، وأهمها خطأ الاعتقاد في خلود الكون مع الله، وإنكار بعث الجسد، والقول بأن الله على علم بالمسلمات المجردة فقط، وليس بالأمور الخاصة.[48]

خلال حياته، حظي الكندي باهتمام الخليفتين المأمون والمعتصم بالله اللذان أيدا فكر المعتزلة، وهو ما افتقد إليه في نهاية حياته عندما تولى الخليفة المتوكل على الله الذي مال إلى فكر الأشاعرة، وبدأ في اضطهاد المدارس الفكرية الأخرى بما في ذلك الفلاسفة. في زمانه، تعرض الكندي للانتقاد لاعتباره “العقل” جوهر التقرب لله.[49] كما خالف أيضًا المعتزلة، في حكمهم حول الصغائر.[50] وقد مهّدت مسائل الكندي الفلسفية للجدل الكبير بين الفلاسفة ورجال الدين، التي تعرض لها الغزالي بالكامل في كتابه تهافت الفلاسفة.[51]

مؤلفاته

وفقًا لابن نديم، كتب الكندي على الأقل مئتان وستين كتابًا، منها اثنان وثلاثون في الهندسة، واثنان وعشرون في كل من الفلسفة والطب، وتسع كتب في المنطق واثنا عشر كتابًا في الفيزياء،[52] بينما عدّ ابن أبي أصيبعة كتبه بمائتين وثمانين كتابًا.[53] على الرغم من أن الكثير من مؤلفاته فقدت، فقد كان للكندي تأثيرًا في مجالات الفيزياء والرياضيات والطب والفلسفة والموسيقى استمر لعدة قرون، عن طريق الترجمات اللاتينية التي ترجمها جيرارد الكريموني، وبعض المخطوطات العربية الأخرى، أهمها الأربع وعشرون مخطوطة من أعماله المحفوظة في مكتبة تركية منذ منتصف القرن العشرين.[54]

تناولت مواضيع مختلفة منها الفلسفة والمنطق والحساب والهندسة والفلك والطب والكيمياء والفيزياء وعلم النفس والأخلاقيات وتصنيف المعادن والجواهر. ومن مؤلفاته[55] :

في الفلسفة

  • الفلسفة الأولى فيما دون الطبيعيات والتوحيد.
  • كتاب الحث على تعلم الفلسفة.
  • رسالة في أن لا تنال الفسفة إلا بعلم الرياضيات.

في المنطق

  • رسالة في المدخل المنطقي باستيفاء القول فيه.
  • رسالة في الاحتراس من حدع السفسطائيين.

في علم النفس

  • رسالة في علة النوم والرؤيا وما ترمز به النفس.

في الموسيقى

  • رسالة في المدخل إلى صناعة الموسيقى.
  • رسالة في الإيقاع.
في الفلك

  • رسالة في علل الأوضاع النجومية.
  • رسالة في علل أحداث الجو.
  • رسالة في ظاهريات الفلك.
  • رسالة في صنعة الاسطرلاب.

في الحساب

  • رسالة في المدخل إلى الأرثماطيقى: خمس مقالات.
  • رسالة في استعمال الحساب الهندسي: أربع مقالات.
  • رسالة في تأليف الأعداد.
  • رسالة في الكمية المضافة.
  • رسالة في النسب الزمنية.

في الهندسة

  • رسالة في الكريات.
  • رسالة في أغراض إقليدس.
  • رسالة في تقريب وتر الدائرة.
  • رسالة في كيفية عمل دائرة مساوية لسطح إسطوانة مفروضة.
في الطب

في الفيزياء

  • رسالة في اختلاف مناظر المرآة.
  • رسالة في سعار المرآة.
  • رسالة في المد والجزر.

في الكيمياء

  • رسالة في كيمياء العطر.
  • رسالة في العطر وأنواعه.
  • رسالة في التنبيه على خدع الكيميائيين.

في التصنيف

  • رسالة في أنواع الجواهر الثمينة وغيرها.
  • رسالة في أنواع السيوف والحديد.
  • رسالة في أنواع الحجارة.

ابن الهيثم

ابن الهيثم

 

أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم (354 هـ/965م430 هـ/1040معالم موسوعي[4] مسلم قدم إسهامات كبيرة في الرياضيات والبصريات والفيزياء وعلم الفلك والهندسة وطب العيون والفلسفة العلمية والإدراك البصري والعلوم بصفة عامة بتجاربه التي أجراها مستخدمًا المنهج العلمي، وله العديد من المؤلفات والمكتشفات العلمية التي أكدها العلم الحديث.[5]

صحح ابن الهيثم بعض المفاهيم السائدة في ذلك الوقت اعتمادًا على نظريات أرسطو وبطليموس وإقليدس،[6] فأثبت ابن الهيثم حقيقة أن الضوء يأتي من الأجسام إلىالعين، وليس العكس كما كان يعتقد في تلك الفترة، وإليه ينسب مبادئ اختراع الكاميرا، وهو أول من شرّح العين تشريحًا كاملاً ووضح وظائف أعضائها، وهو أول من درس التأثيرات والعوامل النفسية للإبصار. كما أورد كتابه المناظر معادلة من الدرجة الرابعة حول انعكاس الضوء على المرايا الكروية، ما زالت تعرف باسم “مسألة ابن الهيثم”.[7]

يعتبر ابن الهيثم المؤسس الأول لعلم المناظر ومن رواد المنهج العلمي، [8][9][10][11]وهو أيضاً من أوائل الفيزيائيون التجريبيون الذين تعاملوا مع نتائج الرصد والتجارب فقط في محاولة تفسيرها رياضياً دون اللجوء لتجارب أخرى.[9]

انتقل ابن الهيثم إلى القاهرة حيث عاش معظم حياته، وهناك ذكر أنه بعلمه بالرياضيات يمكنه تنظيم فيضانات النيل. عندئذ، أمره الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر اللهبتنفيذ أفكاره تلك. إلا أن ابن الهيثم صُدم سريعًا باستحالة تنفيذ أفكاره، وعدل عنها، وخوفًا على حياته إدعى الجنون،[2][12] فأُجبر على الإقامة بمنزله. حينئذ، كرّس ابن الهيثم حياته لعمله العلمي حتى وفاته.[13]

 

سيرته

ولد ابن الهيثم في البصرة سنة 354هـ/965م في فترة كانت تعد العصر الذهبي للإسلام، واختلف المؤرخون أكان من أصل عربي[14] أم فارسي.[15] بدأ ابن الهيثم في تلقى العلم[16] مع ترجيح كونه عربي الاصل [17]، خلال تلك الفترة التي قضاها في البصرة، حيث قرأ العديد من كتب العقيدة الإسلامية والكتب العلمية.[18][19] من غير مؤكد أكان ابن الهيثم سني أم شيعي، فبعض المؤرخين يؤكد أنه سني أشعري كضياء الدين سردار[20] ولورانس بيتاني[21]ومعارض للمعتزلة،[21] والبعض قال أنه معتزلي كبيتر إدوارد هودجسون،[22] أو شيعي كعبد الحميد صبرة.[23] مع ارجحية كونه من السنة [24].

جاء في كتاب إخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطي على لسان ابن الهيثم: «لو كنت بمصر لعملت بنيلها عملاً يحصل النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقصان.» فوصل قوله هذا إلى الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله الذي دعاه إلى مصر لتنظيم فيضانات النيل،[25] وأمده بما يريد للقيام بهذا المشروع، وهي مهمة التي تطلبت حينئذ بناء سد في الموقع الحالي لسد أسوان،[26] وبعد أن تفقّد الموقع أدرك عدم جدوى هذا المشروع[13] لضعف الإمكانات المتاحة في ذاك الوقت، وخوفًا من غضب الخليفة، إدعى الجنون، فاحتجز بمنزله من عام 401 هـ/1011م حتى وفاة الحاكم في عام 411 هـ/1021م.[27] وخلال تلك الفترة، كتب كتابه الأشهر المناظر.

رغم أن هناك حكايات طويلة حول فرار ابن الهيثم إلى الشام، ثم مغامرته بالانتقال إلى بغداد في وقت لاحق، وقيل البصرة حيث تظاهر بالجنون، لكن من المؤكد أنه بقي في مصر حتى عام 428 هـ/1038م.[18] خلال فترة وجوده في القاهرة، ارتبط ابن الهيثم بالجامع الأزهر، الذي كان بمثابة جامعة المدينة،[28] وبعد انتهاء فترة إقامته الجبرية في منزله، كتب عشرات الأطروحات الأخرى في الفيزياء والفلك والرياضيات. ثم سافر بعد ذلك إلى الأندلس، حيث كان لديه متسع من الوقت لمساعيه العلمية والتي شملت البصريات والرياضيات والفيزياء والطب، والقيام ببعض التجارب العلمية؛ وكتب العديد من الكتب في تلك الموضوعات.

عرف ابن الهيثم بالبصري نسبةً إلى مسقط رأسه في مدينة البصرة،[18] وعرفه الغرب باسم Alhazen (نقحرةالهَزَن[29] ولقّبوه ببطليموس الثاني (باللاتينيةPtolemaeus Secundus)[13] وبالفيزيائي[30] في أوروبا القرون الوسطى. يعد ريزنر هو أول من أطلق عليه اسم “Alhazen”، بعدما كان يعرف باسم “Alhacen”، وهو الاسم الأقرب للنطق العربي.[31] حظي هذا العمل بسمعة كبيرة خلال العصور الوسطى. في عام 1834، اكتشفت أعمال لابن الهيثم حول مواضيع هندسية في مكتبة فرنسا الوطنية في باريس، كما توجد بعض المخطوطات الأخرى في مكتبة بودلين في أكسفورد ومكتبة ليدن.

أعماله

غلاف النسخة اللاتينية من كتاب ابن الهيثمالمناظر، التي تظهر كيف أحرق أرخميدس سفنالرومان عند مهاجمتهم لسرقوسة باستخدام المرايا المقعرة.

تشريخ للعين أجراه كمال الدين الفارسي في القرن الثالث عشر اعتماداً على أفكار ابن الهيثم. يشير النص في أعلى المخطوط إلى وظيفة الدماغ في تفسير الصورة المنطبعة على شبكية العين

.

كان لابن الهيثم أسهامات جليلة في مجال البصريات والفيزياء والتجارب العلمية، كما كانت مساهماته في علوم الفيزياء بصفة عامة وعلم البصريات خاصةً، محل تقدير وأساس لبداية حقبة جديدة في مجال أبحاث البصريات نظريًا وعمليًا.[7] تركزت أبحاثه في البصريات على دراسة النظم البصرية باستخدام المرايا وخاصة على المرايا الكروية والمقعرةوالزيغ الكروي، كما أثبت أن النسبة بين زاوية السقوط وزاوية الانكسار ليست متساوية، كما قدم عددًا من الأبحاث حول قوى تكبير العدسات.

وفي العالم الإسلامي، تأثر ابن رشد بأعمال ابن الهيثم في علم البصريات،[32] كما طوّر العالم كمال الدين الفارسي (المتوفي عام 1320م) أعمال ابن الهيثم في علم البصريات، وطرحها في كتابه تنقيح المناظر .[33] كما فسّر الفارسي وثيودوريك من فرايبرغ ظاهرة قوس قزح في القرن الرابع عشر، اعتمادًا على كتاب المناظر لابن الهيثم.[34] واعتمد العالم الموسوعي تقي الدين الشامي على أعمال ابن الهيثم والفارسي، وطوّرها في كتابه نور حدقة الإبصار ونور حقيقة النظر عام 1574م.[35]

تكريمًا لاسمه، أطلق اسمه على إحدى الفجوات البركانية على سطح القمر،[36] وفي 7 فبراير 1999، أطلق اسمه على أحد الكويكبات المكتشفة حديثًا،[37] وهو “59239 Alhazen”. وفي باكستان، تم تكريم ابن الهيثم بإطلاق اسمه على كرسي طب العيون في جامعة آغاخان.[38] وفي العراق، وضعت صورته على الدينار العراقي فئة عشرة دنانير منذ ثمانينيات القرن الماضي ثم 10,000 دينار الصادرة في عام 2003،[39] كما كان اسمه يطلق على واحدة من المنشآت البحثية التي خضعت للتفتيش بواسطة مفتشي الأمم المتحدة الباحثين عن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية في عهد الرئيس صدام حسين.[39][40]

كتاب المناظر

يعد أشهر أعمال ابن الهيثم كتابه ذي السبعة مجلدات في علم البصريات المناظر الذي كتبه بين عامي 401 هـ/1011م – 411 هـ/1021م. ترجم الكتاب إلى اللاتينية على يدي رجل دين غير معروف في نهاية القرن الثاني عشر أو بداية القرن الثالث عشر الميلاديين.[41] وكان لهذه الترجمة عظيم الأثر على العلوم الغربية،[42] كما طبعه العالم “فريدريش ريزنر” في عام 1572، تحت عنوان “الكنز البصري: الكتب السبعة للهَزَن العربي، المجلد الأول، صعود الغيوم والشفق” (باللاتينيةOpticae thesaurus: Alhazeni Arabis libri septem, nuncprimum editi; Eiusdem liber De Crepusculis et nubium ascensionibus).[43] وقد ظهر أثر هذا الكتاب على أعمال روجر باكون الذي استشهد باسمه،[44] وعلى أعمال يوهانس كيبلر، كما أسهم في التطور الكبير للمنهج التجريبي.

نظرية الرؤية

أثبت ابن الهيثم أن الضوء يسير في خطوط مستقيمة باستخدام التجارب العلمية في كتابه المناظر.

سادت نظريتان كبيرتان حول كيفية الرؤية في العصور القديمة. النظرية الأولى نظرية الانبعاثات، التي أيدها مفكرون مثل إقليدس وبطليموس، والتي تفترض أن الإبصار يتم اعتمادًا على أشعة الضوء المنبعثة من العين. أما النظرية الثانية نظرية الولوج التي أيدها أرسطو وأتباعه، والتي تفترض دخول الضوء للعين بصور فيزيائية. عارض ابن الهيثم كون عملية الرؤية تحدث عن طريق الأشعة المنبعثة من العين، أو دخول الضوء للعين من خلال صور فيزيائية، وعلل ذلك بأن الشعاع لا يمكن أن ينطلق من العينين ويصل إلى النجوم البعيدة في لحظة بمجرد أن نفتح أعيننا. كما عارض الاعتقاد السائد بأن العين قد تجرح إذا نظرنا إلى ضوء شديد السطوع، ووضع بدلاً من ذلك نظرية ناجحة للغاية تفسر عملية الرؤية بأنها تحدث نتيجة خروج أشعة الضوء إلى العين من كل نقطة في الكائن، وهو ما أثبته عن طريق التجارب.[45] كما وحّد علم البصريات الهندسية مع فرضيات أرسطو الفيزيائية لتشكل أساس علم البصريات الفيزيائية الحديثة.[46] أثبت ابن الهيثم أيضًا أن أشعة الضوء تسير في خطوط مستقيمة، كما نفذ تجارب مختلفة حول العدساتوالمرايا والانكسار والانعكاس.[7] وكان أيضًا أول من اختزل أشعة الضوء المنعكس والمنكسر في متجهين رأسي وأفقي، والذي كان بمثابة تطور أساسي في البصريات الهندسية،[47] واقترح نموذج لانكسار الضوء يُفضى إلى استنتاج مماثل لما أفضى إليه قانون سنيل، لكن ابن الهيثم لم يطور نموذجه بما يكفي لتحقيق تلك النتيجة.[48]

كما قدّم ابن الهيثم أول وصف واضح[49] وتحليل صحيح[50] للكاميرا المظلمة والكاميرا ذات الثقب. على الرغم من أن أرسطو وثيون الإسكندري والكندي والفيلسوف الصينيموزي سبق لهم أن وصفوا الآثار المترتبة على مرور ضوء واحد عبر ثقب صغير، إلا أن أيًا منهم لم يذكر أن هذا الضوء سيُظهر على الشاشة صورة كل شيء في الجانب الآخر من تلك البؤرة. كان ابن الهيثم أول من شرح هذه التجربة مع مصباحه، فكان بذلك أول من نجح في مشروع نقل صورة من الخارج إلى شاشة داخلية كما في الكاميرا المظلمة التي اشتقّ الغرب اسمها من الكلمة العربية: “قُمرة”، عن طريق كلمة camera obscura اللاتينية،[51] التي تعني “الغرفة المظلمة”.

بالإضافة إلى فيزياء البصريات، أرسى كتاب المناظر أسس “علم نفس البصريات”.[52] أسهم ابن الهيثم أيضًا في الطب وطب العيون والتشريح وعلم وظائف الأعضاء، وكانت له تعليقات على أعمال جالينوس. وصف ابن الهيثم عملية الإبصار[53] وتكوين العين وتكوّن الصورة في العين ونظام الإبصار. كما عدل نظريات الرؤية المزدوجة وتوقع الحركةالتي سبق وناقشها من قبل أرسطو وإقليدس وبطليموس.[54][55]

كانت معظم إسهاماته التشريحية وصفًا تشريحيًا لوظيفة العين كنظام بصري.[56] وفّرت له تجاربه بالكاميرا المظلمة المناخ المناسب له لتطوير نظريته في إسقاط النقطة المقابلة من الضوء من سطح جسم لتكوين الصورة على الشاشة. أحدثت مقارنته بين العين والكاميرا المظلمة توليفته بين علم التشريح وعلم البصريات، والتي شكلت أساس علم نفس البصريات، كما كان تصوره لمرور الضوء خلال الثقب في تجاربه بالكاميرا ذات الثقب، مشبّهًا انعكاس الصورة الناتج، بما يحدث في العين[52] التي تمثّل فيها الحدقة ثقب الكاميرا.[57] فيما يتعلق بعملية تكوين الصور، فقد أخطأ بموافقته لفكرة ابن سينا بأن عدسة العين هي العضو المسئول عن الرؤية، لكن الصحيح أن شبكية العين تشارك في عملية الرؤية.[54]

المنهج العلمي

رسم يُظهر ابن الهيثم ممثلاً العقل والمنطق، ويقابله غاليلو غاليلي، الذي يُمثل الحواس.

ذكرت عالمة الأعصاب “روزانا غوريني” أنه “وفقًا لمعظم المؤرخين، فإن ابن الهيثم رائد المنهج العلمي الحديث”.[36] فقد وضع ابن الهيثم طرق تجريبية صارمة لمراقبة التجارب العلمية للتحقق من الفرضيات النظرية واستقراء النتائج. بينما رأى بعض المؤرخين العلميين في تجاربه على فرضيات بطليموس وتفسيرها ميلاً نحو التجديد، مما جعله لا يحظى باهتمام الكافي من المؤرخين.[58]

هناك مفهوم ارتبط بأبحاث ابن الهيثم البصرية، اعتمد على النظامية والمنهجية في التجريب واستخدام المنهج العلمي في تحقيقاته العلمية. إضافة إلى ذلك، استندت تجاربه على الجمع بين الفيزياء الكلاسيكية والرياضيات (الهندسة على وجه الخصوص) واستخدام منهج الاستنتاج الاستنباطي في مجال البحث العلمي. أكّد هذا النهج الرياضي الفيزيائي في تجاربه معظم افتراضاته في كتابه المناظر، وأيّد نظرياته حول الرؤية والضوء والألوان، فضلاً عن أبحاثه في علم المرايا ودراسته لانكسار الضوء، وهو ما استفاد منه كمال الدين الفارسي وطوّره في كتابه “تنقيح المناظر”.[33]

مفهوم شفرة أوكام ورد أيضًا في كتاب المناظر. فعلى سبيل المثال، بعد أن شرح كيف أن الضوء ينشأ من كائنات مضيئة، وينبعث أو ينعكس نحو العين، وقال بإن “نظرية الانبعاثات التقليدية لا لزوم لها وغير مجدية”.[59]

مسألة ابن الهيثم

ابن الهيثم الملقب باسم Alhazen.

ضم المجلد الخامس من كتابه المناظر مناقشة ما هو يعرف الآن “بمسألة ابن الهيثم”، التي صاغها بطليموس للمرة الأولى عام 150م، وهي تتألف من رسم خطّين من نقطتين على سطح دائرة ليجتمعا في نقطة على محيط الدائرة، ويصنعان زاويتين متساويتين معالمستوى العمودي على السطح عند تلك النقطة، وهو ما يشبه العثور على نقطة على حافة طاولة بلياردو دائرية التي تستهدفها الكرة الضاربة لضرب كرة أخرى في نقطة أخرى. وبالتالي، فإن التطبيق الرئيسي لهذه المسألة في علم البصريات هو “إذا كان لدينا مصدر ضوء ومرآة كروية، هو كيف نحدد النقطة على المرآة التي ينعكس عليها الضوء لعين الناظر”، وهو ما قاده إلى معادلة من الدرجة الرابعة.[18][60] قاد ذلك مصادفةً ابن الهيثم لصياغة صيغة رياضية لجمع متوالية من القوة الرابعة، باستخدام طريقة بدائية من البرهان الرياضي بالاستقراء الرياضي، فاستنتج في النهاية طريقة يمكن استخدامها بسهولة للحصول على مجموع أي متواليات من قوى أكبر.

استخدم ابن الهيثم طريقته في إيجاد مجموع متواليات القوى، لتحديد حجم سطح مكافئ من خلال التكامل. وبالتالي، تمكن من إجراء التكامل على كثيرات الحدود حتى الدرجة الرابعة، واقترب من التوصل إلى صيغة عامة للتكامل أي من كثيرات الحدود. كان ذلك أساسًا لتطوير علم تفاضل وتكامل متناهيات الصغر.[61] كما حل ابن الهيثم مسألته باستخدام الأقطاع المخروطية والإثباتات الهندسية، وعلى الرغم من أن العديد من بعده حاولوا إيجاد حلول جبرية لتلك المسائل،[62] إلا أنه لم يتم الوصول إلى الحل إلا في عام 1997 على يدي عالم الرياضيات في جامعة أكسفورد بيتر نيومان.[63]

أعمال فيزيائية أخرى

الأبحاث البصرية

في كتاب المناظر، كان ابن الهيثم أول عالم يقول بأن الرؤية تحدث في الدماغ بدلاً من العينين. وأشار إلى أن التجارب الشخصية لها تأثير على ما يراه الناس وكيف يرونه، وأن الرؤية والتخيل أمور نسبية.[64]

إضافة إلى كتاب المناظر، كتب ابن الهيثم العديد من الأطروحات الأخرى في علم البصريات. أطروحته رسالة في الضوء كان بمثابة استكمال لكتابه المناظر، احتوت تلك الأطروحة على تحقيقات حول خصائص الإنارة والإشعاعيةالمشتتة خلال مختلف الوسائط الشفافة. قام ابن الهيثم أيضًا بالعديد من الفحوص التشريحية على عين الإنسان ودراسة الزيغ البصري، كما صنع أول كاميرا مظلمة والكاميرا ذات الثقب،[50] وأيضًا درس خصائص قوس قزح وكثافةالغلاف الجوي، وبحث في الظواهر السماوية المختلفة (بما في ذلك كسوف الشمس والشفق وضوء القمر). درس ابن الهيثم أيضًا الانكسار والمرايا المقعرة والكروية والعدسات المكبرة.[65]

لابن الهيثم أيضًا نظرية لشرح وهم القمر، التي لعبت دورًا هامًا في التقاليد العلمية في أوروبا في القرون الوسطى. كان يحاول تفسير ظاهرة ظهور القمر في الأفق القريب أكبر منه في السماء، وهو النقاش الذي لم يتم حله حتى يومنا هذا. اعترض ابن الهيثم على نظرية بطليموس حول الانكسار، وقال أن صورة القمر زائفة وليست حقيقية. وقال أن الحكم على مسافة كائن يعتمد على ماهية ما هو موجود بين الكائن والرائي. وفي حالة القمر، لا يوجد أشياء وسيطة، لذلك، وحيث أن حجم الكائن يعتمد على بعد من يراه عنه، وهو في هذه الحالة مسافة غير محددة، لذا يبدو القمر أكبر في الأفق. اعتمدت أعمال من روجر باكون وجون بيكهام وويتلو على تفسير ابن الهيثم، وبدأ تقبل فكرة وهم القمر تدريجيًا كظاهرة نفسية، مع رفض نظرية بطليموس في القرن السابع عشر.[66]

في مخطوطته ميزان الحكمة ، ناقش ابن الهيثم كثافة الغلاف الجوي للأرض وربط بينه وبين الارتفاع، ودرس أيضًا الانكسار في الغلاف الجوي. اكتشف أن الشفق يبدأ أو ينتهي، عندما تكون الشمس تحت الأفق بتسع عشرة درجة، وحاول قياس ارتفاع الغلاف الجوي على هذا الأساس.[7]

الفيزياء الفلكية

في مجال الفيزياء الفلكية والميكانيكا السماوية، ذكر ابن الهيثم في أطروحته الخلاصة في علم الفلك أن الأجرام السماوية يمكن تفسير ظواهرها قوانين الفيزياء.[67] وضم كتابه ميزان الحكمة نقااشات في الاستاتيكا والفيزياء الفلكية والميكانيكا السماوية. كما ناقش نظرية تجاذب الكتل، وكان على دراية بمقادير التسارع من مسافة ما الناتج عن الجاذبية.[65] وفي مخطوطة مقالة في قرسطون هي أطروحه حول مراكز الثقل. لا يعرف الكثير عن هذا العمل، باستثناء ما نقله عنه عبد الرحمن الخازني في القرن الثاني عشر الميلادي. في هذه المخطوطة، وضع ابن الهيثم نظرية حول أن ثقل الأجسام يختلف بحسب المسافة التي تفصلها عن مركز الأرض.[68]

وفي مخطوطة آخرى مقالة في ضوء القمر التي كتبها قبل كتابه المناظر، كانت أول محاولة ناجحة للجمع بين علم الفلك الرياضي والفيزياء، وفيها أقدم محاولة تطبيق المنهج التجريبي في علم الفلك والفيزياء الفلكية. وفيها فنّد الفكرة الشائعة بأن القمر يعكس ضوء الشمس كالمرآه، وصحح ذلك بأن “القمر يعكس الضوء من تلك الأجزاء من سطحه التي يسقط عليها أشعة الشمس”. وليثبت أن “الضوء ينبعث من كل نقطة على سطح القمر المضيء”، صنع جهاز تجارب مبتكر.[69] وفقًا لمتياس شرام:

   

ابن الهيثم

وضع ابن الهيثم تصور واضح للعلاقة بين النموذج الرياضي المثالي ومنظومة الظواهر الملحوظة. فقد كان ابن الهيثم أول من استخدم طريقة تثبيت أحد المتغيرات، وتغيير باقي المتغيرات بانتظام، وذلك في تجربته لتوضيح أن كثافة بقعة الضوء التي يشكلها سقوط ضوء القمر من خلال فتحتين صغيرتين على شاشة، تقل عند حجب أحدها تدريجيًا.[69]
   

ابن الهيثم

أعماله في علم الفلك

تشكيكه في نظريات بطليموس

انتقد ابن الهيثم في مخطوطته شكوك على بطليموس التي نشرها بين عامي 416 هـ و419 هـ، العديد من أعمال بطليموس بما في ذلك كتبه المجسطي والكواكب المفترضة والبصريات، مشيرًا إلى الكثير من المتناقضات التي وجدها في هذه الأعمال. اعتبر ابن الهيثم أن بعض الأجهزة الرياضية التي استخدمها بطليموس في علم الفلك، وخاصة معدل المسار، فشلت في الخصائص الفيزيائية للحركة الدائرية المنتظمة، وكتب نقدًا لاذعًا حول الواقع المادي لنظام بطليموس الفلكي، مشيرًا إلى عبثية اقتراحه بالربط بين الحركات الفيزيائية، والنقاط والخطوط والدوائر الرياضية الوهمية.[70]

   

ابن الهيثم

افترض بطليموس نظامًا لا يمكن أن يتواجد، والحقيقة أن هذا النظام الذي تخيله حول حركة الكواكب، لا يعفيه من الخطأ الذي افترضه في هذا النظام، فحركة الكواكب الموجودة لا يمكن أن تنتج وفق هذا النظام المفترض… فتصور الرجل لدائرة في السماء يدور فيها الكوكب ليست هي الدافع لحركة الكوكب.[71][72]
   

ابن الهيثم

وجّه ابن الهيثم المزيد من الانتقادات لأعمال بطليموس سواءً بالتجربة أو الملاحظة أو الاستنباط،[73] لاستخدام بطليموس للحدس في نظرياته بدلاً من تسجيله لملاحظات حول الظواهر، وهو ما لم يرض عنه ابن الهيثم بسبب اصراره على استخدام التجارب العلمية. وخلافًا لبعض علماء الفلك الذين انتقدوا في وقت لاحق نظام بطليموس على أساس كونه يتعارض مع فلسفة الفيزياء الأرسطية، كان ابن الهيثم يعارضه بملاحظاته التجاربية والتناقضات الداخلية في أعمال بطليموس.[74] وقد قال ابن الهيثم في مخطوطته، معلقًا ابن الهيثم على صعوبة تحقيق المعرفة العلمية:

   

ابن الهيثم

الحقيقة ذاتها تبحث عن الحقائق، المغمورة في الشكوك (مثل أعمال بطليموس الذي قال أنه يحترمه كثيرًا) وليست بمنأى عن الخطأ…[25]
   

ابن الهيثم

وقال أن نقد تلك النظريات التي تسيطر على كتاب المجسطي، سيكون لها دورًا كبيرًا في نمو المعرفة العلمية :

   

ابن الهيثم

إن الباحث عن الحقيقة ليس هو من يدرس كتابات القدماء، على حالتها ويضع ثقته فيها، بل هو من يُعلّق إيمانه بهم ويتساءل ما الذي جناه منهم. هو الذي يبحث عن الحجة، ولا يعتمد على أقوال إنسان طبيعته يملأها كل أنواع النقص والقصور. وبالتالي فإن من الواجب على من يحقق في كتابات العلماء، إذا كان البحث عن الحقيقة هدفه، هو أن يستنكر جميع ما يقرأه، ويستخدم عقله حتى النخاع لبحث تلك الأفكار من كل جانب. وعليه أن يتشكك في نتائج دراسته أيضًا، حتى يتجنب الوقوع في أي تحيز أو تساهل.[25]
   

ابن الهيثم

مخطوطة تكوين العالم

في مخطوطته تكوين العالم، على الرغم من انتقاداته الموجهة إلى بطليموس، تقبّل ابن الهيثم حول نظرية بطليموس حول كون الأرض مركز الكون،[75] وقدّم وصفا تفصيليا للمجالات السماوية في تلك المخطوطة :

   

ابن الهيثم

الأرض ككل كرة مركزها هو مركز العالم، وتتمركز في وسطه، وهي ثابتة لا تتحرك في أي إتجاه بأي نوع من الحركات، فهي دائمًا ساكنة.[76]
   

ابن الهيثم

في الوقت الذي كان فيه ابن الهيثم يحاول دراسة نظرية بطليموس تلك رياضياتيًا، قال بأن كل من كواكب بطليموس لها فلكها الخاص بها. تُرجم هذا العمل إلى العبرية واللاتينية في القرنين الثالث والرابع عشر الميلاديين، وكان له تأثير على علماء فلك مثل جورج فون بيورباخ[2] في أوروبا العصور الوسطى وعصر النهضة.[77][78]

نماذج حركات الكواكب السبعة

كانت مخطوطته نماذج حركات الكواكب السبعة التي كتبها عام 428 هـ عن علم الفلك. احتوت النسخة التي لا تزال باقية من هذه المخطوطة، والتي تم اكتشافها مؤخرًا رغم فقد معظمها، لذلك لم تنشر، وكما فعل في مخطوطة شكوكه على أعمال بطليموس. وصف ابن الهيثم أول نموذج بعد نموذج بطليموس حول حركة الكواكب. لم تكن المخطوطة متعلقة بعلم الكون، حيث وضع فيها دراسة هندسية منهجية حول ميكانيكية الحركة، وهو ما أدى بدوره إلى تطورات مبتكرة في هندسة متناهيات الصغر.[79]

كان تجربته لنموذجه أول رفض لأفكار معدل المسار[80] والدوائر الفلكية،[81] والفلسفة الطبيعية في علم الفلك. طرح نموذج أيضًا فكرة دوران الأرض حول محورها،[82] وأن مراكز الحركة نقاط هندسية دون دلالات مادية، مثلما أثبت يوهانس كيبلر ذلك بعد قرون.[83] وفي المخطوطة، وصف ابن الهيثم أيضًا تصوّرا مبكرا لشفرة أوكام، حيث افترض وجود بعض الخصائص التي تميز الحركات الفلكية في حدها الأدنى، في محاولة منه في نموذجه للكواكب لتجاهل الفرضيات الكونية التي لا يمكن ملاحظتها من الأرض.[84]

أعمال فلكية أخرى

فرّق ابن الهيثم بين علم التنجيم وعلم الفلك، وفنّد دراسة التنجيم، وذلك بسبب الأساليب التي يستخدمها المنجمون التي تعتمد على التخمين بدلاً من التجربة، ولتعارض التنجيم مع الإسلام.[85]

في كتاب المناظر، كان ابن الهيثم أول من اكتشف أن المجالات السماوية لا تتكون من أجسام صلبة. اكتشف أيضًا أن الفضاء أقل كثافة من الهواء، وهو ما أثبته بعد ذلك ويتلو، وكان لها تأثير كبير على أعمال كوبرنيكس وتيخو براهيفي علم الفلك.[86]

كتب ابن الهيثم أيضًا أطروحة بعنوان في درب التبانة،[87] والذي حل فيها المسائل المتعلقة بالمجرة وتزيح درب التبانة.[79] قديمًا، اعتقد أرسطو أن درب التبانة تكوّن نتيجة ألسنة نيران بعض النجوم الكثيرة الكبيرة المتقاربة من بعضها البعض، وأن هذه النيران تشتعل في الجزء العلوي من الغلاف الجوي في مجالات أقمار تلك النجوم.[88] استنكر ابن الهيثم ذلك لأنه ليس لمجرة درب التبانة تزيح، وهي بعيدة جدًا عن الأرض ولا تنتمي لغلاف الأرض الجوي.[89] وكتب أنه إذا كانت مجرة درب اللبانة تقع حول الغلاف الجوي للأرض، “يجب على المرء أن يجد فرقًا في الموقع بالنسبة للنجوم الثابتة.” ووصف طريقتين لوصف تزيح مجرة درب اللبانة : “إما عندما يلاحظ المرء درب التبانة في مناسبتين مختلفتين من نفس البقعة من الأرض، أو عندما ينظر أحد إليها في وقت واحد من مكانين متباعدين فوق سطح الأرض.” وقدم أول محاولة لمراقبة وقياس تزيح مجرة درب اللبانة، وأثبت أنه ما دام ليس هناك تزيح لمجرة درب التبانة، فهي لا تنتمي إلى الغلاف الجوي.[90]

في عام 1858م، إدعى محمد والي بن محمد جعفر في كتابه “شجراف نامه”، أن ابن الهيثم كتب مخطوطة مراتب السماء تصوّر فيها نموذجا للكواكب مشابه لنموذج تيخو براهي، حيث تدور الكواكب حول الشمس والتي بدورها تدور حول الأرض. ومع ذلك، لكن هذا التحقق من هذا الادعاء يبدو مستحيلاً، حيث لم يتم سرد مخطوطته تلك في قائمة كتب ابن الهيثم المعروفة.[91]

أعماله في الرياضيات

في الرياضيات، اعتمد ابن الهيثم في عمله على أعمال إقليدس وثابت بن قرة. فقد وضع نظامًا للقطع المخروطي ونظرية الأعداد، والتي تعتبر من أقدم أعمال الهندسة التحليلية، وربط بين الجبر والهندسة، وهو ما استفاد منه رينيه ديكارت في تطوير الهندسة التحليلية وإسحاق نيوتن في التفاضل والتكامل.[92]

الميكانيكا

في مجالات الديناميكا وعلم الحركة، ناقش ابن الهيثم مخطوطته رسالة في المكان نظريات حركة الأجسام. وأكد أن الأجسام في حركة دائمة ما لم يوقفها قوة خارجية أو يتغير اتجاهها.[65] كان هذا مماثلا لمفهوم القصور الذاتي، ولكنه لم يحقق تلك الفرضية بالتجربة. كانت إضافته الرئيسية في الميكانيكا التقليدية، تعريفه لقوة الاحتكاك، التي أثبتها جاليليو جاليلي بعد عدة قرون، وصيغت بعد ذلك في قانون نيوتن الأول للحركة. وفي نفس المخطوطة، عارض فكرةأرسطو بأن الطبيعة تمقت فراغ، واستخدم الهندسة لإثبات أن المكان هو فراغ ثلاثي الأبعاد بين الأسطح الداخلية للجسم الذي يحتويه.[93] كما اكتشف ابن الهيثم أيضًا مفهوم القوة الدافعة الذي أصبح جزءً من قانون نيوتن الثاني للحركة، في نفس الوقت تقريبًا الذي اكتشف فيه ابن سينا ذلك.[94]

وفي كتاب المناظر، وضع العديد من ملاحظات ابن الهيثم التجاربية في الميكانيكا، وكيف استخدم نتائج تجاربه لتفسير ظواهر ضوئية معينة باستخدام القياس الميكانيكي. أجرى ابن الهيثم تجارب باستخدام قذائف، وخلُص إلى أنه “وحدها القذائف العمودية القوية بما يكفي لها القدرة على اختراق الأسطح، في حين أن التي تسقط بزاويا مائلة تحيد. فعلى سبيل المثال، لشرح الانكسار من وسط قليل الكثافة إلى آخر أكثر كثافة وباستخدام القياس الميكانيكي، ألقى ابن الهيثم كرة حديد على لوح صخري رقيق يغطي حفرة واسعة في صفيحة معدنية عموديًا فكسرته واخترقت، في حين عندما ألقاها بزاوية مائلة بنفس القوة ومن نفس الارتفاع لم تخترق”. فأوضح بذلك الفارق بين الاصطدام المرن، وغير المرن، واستخدم ابن الهيثم هذه النتيجة لشرح كيف أن الضوء الكثيف المباشر يؤذي العينين : “بتطبيقه للقياس الميكانيكي ليبين تأثير أشعة الضوء على العين، استخدم ابن الهيثم أشعة ضوئية قوية عمودية وأخرى ضعيفة مائلة، ليثبت أنه وحدها الأشعة القوية التي تخرج عموديًا من كل نقطة على سطح الكائنات المضيئة، هي القادرة على اختراق العين.”[95]

الهندسة

في الهندسة، طوّر ابن الهيثم علم الهندسة التحليلية وربط بين الجبر والهندسة. كما اكتشف ابن الهيثم صيغة إضافة أول 100 عدد طبيعي، واستخدم ابن الهيثم برهانًا هندسيًا لإثبات تلك الصيغة.[96]

كانت أول محاولة لابن الهيثم لإثبات مسلمة التوازي الإقليدية والمسلمة الخامسة في كتاب العناصر لإقليدس، باستخدام البرهان بنقض الفرض،[97] حيث قدم مفهومي الحركة والتحويل في الهندسة.[98] كما اكتشف رباعي أضلاع لامبرت، الذي سماه بوريس إبراموفيتش روزنفيلد بـ “رباعي أضلاع ابن الهيثم-لامبرت“،[99] وحاول أيضًا إثبات أوجه تشابهها مع مسلمة بلاي فير.[62] كانت نظرياته حول رباعيات الأضلاع بما في ذلك رباعية لامبرت، أولى النظريات في الهندسة الإهليجية والهندسة الزائدية. هذه النظريات، إضافة إلى بدائلها المسلم بها مثل مسلمة بلاي فير، يمكن اعتبارها أول بداية للهندسة اللا إقليدية. كان لأعماله تأثيرًا كبيرًا على علماء الهندسة الفرس كعمر الخيامونصير الدين الطوسي والأوروبيين كويتلو وجرسونيدس وجون واليس وساتشيري[100] وكريستوفر كالفوس.[101]

في الهندسة الأولية، حاول ابن الهيثم في مخطوطته مقالة في تربيع الدائرة حل مسألة تربيع الدائرة باستخدام الأشكال الهلالية، ولكنه توقف حينما وجدها مهمة مستحيلة.[18] تناول ابن الهيثم أيضًا مشاكل أخرى هندسية أولية (إقليدية) ومتقدمة (أبولونية وأرخميدية)، وكان أول من حلّ بعضها.[25]

نظرية الأعداد

ابن الهيثم على عملة ال 10000 دينار العراقية

تضمنت اسهاماته في نظرية الأعداد أعماله حول الأعداد المثالية. وفي مخطوطته مقالة في التحليل والتركيب، كان ابن الهيثم أول من يدرك أن كل عدد مثالي له الصيغة 2ن−1(2ن − 1) حيث 2ن − 1 هو عدد أولي، لكنه لم يتمكن من إثبات هذه النتيجة بنجاح (أثبت أويلر ذلك في القرن الثامن عشر).[18]

حلّ ابن الهيثم مسائل تتضمن حالات التطابق باستخدام ما يسمى الآن مبرهنة ويلسون. وفي كتابه المناظر، قال ابن الهيثم أنه لحل نظام من التطابقات، هناك طريقتين، “الأولى” الطريقة الكنسية مثلما ذكر ويلسون، و”الثانية” تشبه مبرهنة الباقي الصيني.[18]

أعمال أخرى

علم النفس

في علم النفس والموسيقى، كان لابن الهيثم مخطوطة حول تأثير الأنغام على أرواح الحيوانات، والتي تعد أقدم مخطوطة تتعامل مع تأثير الموسيقى على الحيوانات. في تلك المخطوطة، قال سرعة الجمل تزداد وتقل مع استخدامالحداء، وضرب أمثلة أخرى حول كيفية تأثير الموسيقى على سلوك الحيوان وسيكولوجيته، وقد أجرى تجاربه على الطيور والخيول والزواحف. وحتى القرن التاسع عشر، اعتقد معظم علماء الغرب بأن الموسيقى لها تأثير واضح على ظاهر الإنسان، ولكن التجارب أثبتت وجهة نظر ابن الهيثم بأن الموسيقى لها تأثير على الحيوانات أيضًا.[102] كما أكد العالم النفسي السوداني عمر خليفة أنه ينبغي اعتبار ابن الهيثم “مؤسس علم النفس التجريبي“، لعمله الرائد في علم نفس الإدراك البصري والخدع البصرية،[103] وهو أيضًا مؤسس علم النفس الفيزيقي، أحد مقدمات لعلم النفس الحديث.

الهندسة المدنية

في مجال الهندسة المدنية، يعد أهم أعماله المدنية استدعاء الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله له لتنظيم فيضان النيل في مصر.[104] أعد ابن الهيثم دراسة علمية مفصلة حول الفيضان السنوي لنهر النيل، ورسم ابن الهيثم خطة لبناء سد، في موقع سد أسوان في العصر الحديث. وأثناء معاينته العملية للموقع لاحقًا، تبين له عدم جدوى هذا المخطط،[105] ثم إدعى الجنون ليفلت من عقاب الخليفة.[106] كما ذكر عبد الرحمن الخازني، أن ابن الهيثم كتب أيضًا مخطوطة تُقدّم وصفًا لعمل ساعة مائية.[107]

الفلسفة

في الفلسفة، انتقد ابن الهيثم في مخطوطة رسالة في المكان مفهوم التوبوس عند أرسطو. ففي فيزياء أرسطو، ذكر أرسطو أن المكان هو الشئ ثنائي الأبعاد الساكن الذي يحتوي الجسم ويتصل به. اختلف ابن الهيثم مع ذلك، وأثبت أن المكان هو فراغ ثلاثي الأبعاد بين الأسطح الداخلية للجسم الذي يحتويه. وأوضح أن المكان أقرب إلى فضاء، مما ألقى الضوء على مفهوم المكان عند رينيه ديكارت في القرن السابع عشر. بعد رسالة في المكان، كتب ابن الهيثم مخطوطته قول في المكان، والتي قدّم فيها إثباتًا هندسيًا حول هندسية المكان، يعارض مفهوم أرسطو الفلسفي حول المكان. وقد كتب عبد اللطيف البغدادي المؤيد لرأي أرسطو الفلسفي حول المكان، ردًا على تلك الفكرة بكتابه “الرد على ابن الهيثم في المكان“.[93]

ناقش ابن الهيثم أيضًا تخيل الفضاء وآثاره المعرفية في كتاب المناظر. كما أدى إثباته بالتجربة لنموذج ولوج الرؤية إلى تغييرات في فهم طريقة الإدراك البصري للفضاء، على النقيض من نظرية انبعاث الرؤية السابقة التي أيدها إقليدس وبطليموس.[108]

يعتقد البعض أن نظريات ابن الهيثم حول الألم والإحساس متأثرة بالفلسفة البوذية، فقد كتب أن كل إحساس هو شكل من أشكال المعاناة، وأن ما يدعوه الناس بالألم هو مجرد مبالغة في التخيل؛ إذ لا يوجد فرق نوعي ولكن فقط فرق كمّي بين الألم والإحساس العادي.[109]

العلوم الدينية

كتب ابن الهيثم عملاً دينيًا، تطرق فيه للنبوة ووضع نظامًا ذا معايير فلسفية لمقارعة المكذبين في زمنه.[110] كما كتب مخطوطة حول “العثور على إتجاه القبلة بالحساب”.[87]

وقد كتب في مخطوطته حول شكوكه فيما يتعلق ببطليموس :

   

ابن الهيثم

البحث عن الحقيقة في حد ذاتها أمر صعب، والطريق إلى ذلك وعر. فالحقائق يكتنفها الغموض…. الله لم يعصم العلماء من الخطأ، ولم يحم العلم من القصور والنقص. لو كان هذا هو الحال، لما اختلف العلماء على أي من مسائل العلم…[111]
   

ابن الهيثم

في مخطوطة الحركة المتعرجة ، كتب ابن الهيثم :

   

ابن الهيثم

مما قاله الشيخ الجليل، فمن الواضح أنه يعتقد في كل ما يقول بطليموس، دون الاعتماد على إثبات أو دليل، ولكن عن طريق التقليد الخالص. وهو ما لا يجوز إلا في إتباع سنن الأنبياء عليهم السلام، لا مع المختصين بالرياضيات.[112]
   

ابن الهيثم

وصف ابن الهيثم منهجه، فقال:

   

ابن الهيثم

سعيت دومًا نحو المعرفة والحقيقة، وآمنت بأني لكي أتقرب إلى الله، ليس هناك طريقة أفضل من ذلك من البحث عن المعرفة والحقيقة.[113]
   

ابن الهيثم

مؤلفاته

وفقًا لمؤرخي العصور الوسطى، كتب ابن الهيثم أكثر من 200 كتاب، وعمل على طائفة واسعة من الموضوعات، منها ما لا يقل عن 96 عمل علمي معروف. الآن فقدت معظم أعماله، ولكن ما زال باقيًا أكثر من 50 عمل منها، منها وخاصة في علم البصريات ما لم يصل إلينا سوى من خلال النسخ اللاتينية. كما ترجمت كتبه في علم الكون خلال العصور الوسطى، إلى اللاتينية والعبرية وغيرها من اللغات. بقيت نحو نصف أعماله في الرياضيات، ونحو 23 عملا في علم الفلك، و 14 في علم البصريات، وأعمال قليلة في موضوعات أخرى.[114]

من أعماله :[115]

  • كتاب المناظر.
  • مقالة في التحليل والتركيب.
  • ميزان الحكمة.
  • تصويبات على المجسطي.
  • مقالة في المكان.
  • التحديد الدقيق للقطب.
  • رسالة في الشفق.
  • كيفية حساب اتجاه القبلة.
  • المزولة الأفقية.
  • شكوك على بطليموس.
  • مقالة في قرسطون.
  • إكمال المخاريط.
  • رؤية الكواكب.
  • مقالة فی تربیع الدائرة.
  • المرايا المحرقة بالدوائر.
  • تكوين العالم.
  • مقالة فی صورة ‌الکسوف
  • مقالة في ضوء النجوم.
  • مقالة في ضوء القمر.
  • مقالة في درب التبانة.
  • كيفيات الإظلال.
  • مقالة في قوس قزح.
  • الشكوك في الحركة المتعرجة.
  • التنبيه على ما في الرصد من الغلط
  • ارتفاعات الكواكب.
  • اتجاه القبلة.
  • نماذج حركات الكواكب السبعة.
  • نموذج الكون.
  • حركة القمر.
  • مقالة مستقصاة فی الاشکال الهلالیة.
  • الحركة المتعرجة.
  • رسالة في الضوء.
  • رسالة في المكان.
  • تأثير اللحون الموسيقية في النفوس الحيوانية.[102]
  • اختلاف منظر القمر.
  • أصول المساحة.
  • أعمدة المثلثات.
  • المرايا المحرقة بالقطوع.
  • شرح أصول إقليدس.
  • رسالة فی مساحة المسجم المکافی.
  • خواص المثلث من جهة العمود.
  • القول المعروف بالغریب فی حساب المعاملات.
  • قول فی مساحة الکرة.
  • الجامع في أصول الحساب.
  • كتاب في تحليل المسائل الهندسية.

محمد بن موسى الخوارزمي

محمد بن موسى الخوارزمي

 

أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي [1] عالم مسلم [2] يكنى باسم الخوارزمي وأبو جعفر قيل أنه ولد حوالي 164هـ 781م (وهو غير مؤكد) وقيل أنه توفي بعد 232 هـ أي بعد847م) وقيل توفي سنة 236 هـ. يعتبر من أوائل علماء الرياضيات المسلمين حيث ساهمت أعماله بدور كبير في تقدم الرياضيات في عصره. [3][4][وصلة مكسورة][5] اتصل بالخليفة العباسي المأمون وعمل في بيت الحكمة في بغداد وكسب ثقة الخليفة إذ ولاه المأمون بيت الحكمة كما عهد إليه برسم خارطة للأرض عمل فيها أكثر 70 جغرافيا، وقبل وفاته في 850 م/232 هـ كان الخوارزمي قد ترك العديد من المؤلفات في علوم الفلك والجغرافيا من أهمها كتاب الجبر والمقابلة الذي يعد أهم كتبه وقد ترجم الكتاب إلى اللغة اللاتينية في سنة 1135موقد دخلت على إثر ذلك كلمات مثل الجبر Algebra والصفر Zero إلى اللغات اللاتينية.

كما ضمت مؤلفات الخوارزمي كتاب الجمع والتفريق في الحساب الهندي، وكتاب رسم الربع المعمور، وكتاب تقويم البلدان، وكتاب العمل بالأسطرلاب، وكتاب “صورة الأرض ” الذي اعتمد فيه على كتاب المجسطي لبطليموس مع إضافات وشروح وتعليقات، وأعاد كتابة كتاب الفلك الهندي المعروف باسم “السند هند الكبير” الذي ترجم إلى العربية زمن الخليفة المنصور فأعاد الخوارزمي كتابته وأضاف إليه وسمي كتابه “السند هند الصغير”.

وقد عرض في كتابه (حساب الجبر والمقابلة) أو (الجبر) أول حل منهجي للمعادلات الخطية والتربيعية. ويعتبر مؤسس علم الجبر، (اللقب الذي يتقاسمه مع ديوفانتوس) في القرن الثاني عشر، قدمت ترجمات اللاتينية عن حسابه على الأرقام الهندية، النظام العشري إلى العالم الغربي.[6] نقح الخوارزمي كتاب الجغرافيا لكلاوديوس بطليموس وكتب في علم الفلك والتنجيم.

كان لإسهاماته تأثير كبير على اللغة. “فالجبر”، هو أحد من اثنين من العمليات التي استخدمهم في حل المعادلات التربيعية. في الإنجليزية كلمة Algorism و algorithm تنبعان منAlgoritmi، الشكل اللاتيني لاسمه.[7] واسمه هو أصل الكلمة أسبانية guarismo[8] والبرتغالية algarismo وهما الاثنان بمعنى “رقم”.

 

حياته

حسب بعض الروايات فقد انتقلت عائلته من مدينة خوارزم الفارسية في إقليم خراسان الإسلامي (والتي تسمى ’’خيوا‘‘ في العصر الحالي، في جمهورية أوزبكستان) إلى بغداد في العراق. وأنجز الخوارزمي معظم أبحاثه بين عامي813 و833 في دار الحكمة، التي أسسها الخليفة المأمون. حيث أن المأمون عينه على رأس خزانة كتبه، وعهد إليه بجمع الكتب اليونانية وترجمتها. وقد استفاد الخوارزمي من الكتب التي كانت متوافرة في خزانة المأمون فدرسالرياضيات، والجغرافية، والفلك، والتاريخ، إضافةً إلى إحاطته بالمعارف اليونانية والهندية. ونشر كل أعماله باللغة العربية، التي كانت لغة العلم في ذلك العصر. ويسميه الطبري في تاريخه: محمد بن موسى الخوارزمي القطربلّي، نسبة إلى قرية قُطْربُلّ من ضواحي بغداد. بدأ الخوارزمي كتابه (الجبر والمقابلة) بالبسملة. وتُجمع الموسوعات العلمية –كالموسوعة البريطانية (نسخة الطلاب) وموسوعة مايكروسوفت إنكارتا وموسوعة جامعة كولومبيا وغيرها على أنه عربي، في حين تشير مراجع أخرى إلى كونه فارسي الأصل. وفي الإصدار العام للموسوعة البريطانية تذكر أنه “عالِم مسلم” من دون تحديد قوميته.

في كتاب الفهرس لابن النديم نجد سيرة ذاتية قصيرة للخوارزمي، مع قائمة الكتب التي كتبها. قام الخوارزمي بعمل معظم أعماله في الفترة ما بين 813 و 833. بعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس، أصبحت بغداد مركز الدراسات العلمية والتجارية، وأتى إليها العديد من التجار والعلماء من مناطق بعيدة مثل الصين والهند، كما فعل الخوارزمي. كان يعمل في بغداد، وهو باحث في بيت الحكمة الذي أنشأه الخليفة المأمون، حيث درس العلوم والرياضيات، والتي تضمنت ترجمة المخطوطات اليونانية والسنسكريتية العلمية.

إسهاماته

ساهم الخوارزمي في الرياضيات، والجغرافيا ،و علم الفلك، وعلم رسم الخرائط، وأرسى الأساس للابتكار في الجبر وعلم المثلثات. له أسلوب منهجي في حل المعادلات الخطية والتربيعية أدى إلى الجبر، وهي كلمة مشتقة من عنوان كتابه حول هذا الموضوع، (المختصر في حساب الجبر والمقابلة).

كتاب الجمع والتفريق بحساب الهند سنة 825 م، كان مسؤولا بشكل أساسي عن نشر نظام ترقيم الهندي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا. وترجم اللاتينية إلى Algoritmi de numero Indorum. من الخوارزمي، أتت الكلمة اللاتينية Algoritmi ،التي أدت إلى مصطلح “الخوارزمية”.

أعتمدت بعض أعماله على علم الفلك الفارسي والبابلي، والأرقام الهندية، والرياضيات اليونانية.

نظم الخوارزمي وصحح بيانات بطليموس عن أفريقيا والشرق الأوسط. من كتبه الرئيسية كتاب “صورة الأرض”، الذي يقدم فيه إحداثيات الأماكن التي تستند على جغرافية بطليموس ولكن مع تحسن القيم للبحر الأبيض المتوسط وآسيا وأفريقيا. كما كتب أيضا عن الأجهزة الميكانيكية مثل الأسطرلاب، ومزولة.

وساعد في مشروع لتحديد محيط الأرض، وفي عمل خريطة للعالم للخليفة للمأمون، وأشرف على 70 جغرافي.[9]

في القرن الثاني عشر انتشرت أعماله في أوروبا، من خلال الترجمات اللاتينية، التي كان لها تأثير كبير على تقدم الرياضيات في أوروبا.

الجبر

صفحة من كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة

(الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة) هو كتاب رياضي كتب حوالي عام 830 م. ومصطلح الجبر مشتق من اسم إحدى العمليات الأساسية مع المعادلات التي وصفت في هذا الكتاب. ترجم الكتاب اللاتينية تحت اسم Liber algebrae et almucabala بواسطة روبرت تشستر (سيغوفيا، 1145)، وأيضا ترجمه جيرارد أوف كريمونا. وتوجد نسخة عربية فريدة محفوظة في أوكسفورد ترجمت عام 1831 بواسطة إف روزين. وتوجد ترجمة لاتينية محفوظة في كامبريج.[10]

ويعتبر الجبر هو النص التأسيسي للجبر الحديث. فهو قدم بيانا شاملا لحل المعادلات متعددة الحدود حتى الدرجة الثانية، [11]، وعرض طرق أساسية “للحد” و”التوازن” في إشارة إلى نقل المصطلحات المطروحة إلى الطرف الآخر من المعادلة، أي إلغاء المصطلحات المتماثلة على طرفي المعادلة.[12]

طريقة الخوارزمي في حل المعادلات التربيعية الخطية عملت في البداية بخفض لمعادلة لواحدة من ست نماذج قياسية (حيث b وc أرقام إيجابية صحيحة):

  • ترابيع تساوي الجذور (ax2 = bx)
  • ترابيع تساوي عدد (ax2 = c)
  • جذور تساوي عدد (bx = c)
  • ترابيع وجذور تساوي عدد (ax2 + bx = c)
  • ترابيع وعدد تساوي جذور (ax2 + c = bx)
  • جذور ورقم تساوي ترابيع (bx + c = ax2)

وبقسمة معامل التربيع باستخدام عمليتين هما الجبر والمقابلة، الجبر هي عملية إزالة الوحدات والجذور والتربيعات السلبية من المعادلة، وذلك بإضافة نفس الكمية إلى كل جانب. فعلى سبيل المثال، x2 = 40x − 4x2 تخفض إلى 5x2 = 40x، والمقابلة هي عملية جلب كميات من نفس النوع لنفس الجانب من المعادلة. فعلى سبيل المثال، x2 + 14 =x + 5 تخفض إلى x2 + 9 = x.

نشر عدة مؤلفين أيضا كتب ونصوص تحت اسم كتاب الجبر والمقابلة منهم أبو حنيفة الدينوري، أبو كامل شجاع بن اسلم، عبد الحميد بن ترك، سند بن علي، سهل بن بشر،وشرف الدين الطوسي

وكتب جي جي أوكونر وإي إث روبرتسون في موقع أرشيف ماكتوتر لتاريخ الرياضيات :

«”ربما كانت أحد أهم التطورات التي قامت بها الرياضيات العربية بدئت في هذا الوقت بعمل الخوارزمي وهي بدايات الجبر، ومن المهم فهم كيف كانت هذه الفكرة الجديدة مهمة، فقد كانت خطوة ثورية بعيدا عن المفهوم اليوناني للرياضيات التي هي في جوهرها هندسة، الجبر كان نظرية موحدة تتيح الأعداد الكسرية والأعداد اللا كسرية، والمقادير هندسية وغيرها، أن تتعامل على أنها “أجسام الجبرية”، وأعطت الرياضيات ككل مسار جديد للتطور بمفهوم أوسع بكثير من الذي كان موجودا من قبل، وقدم وسيلة للتنمية في هذا الموضوع مستقبلا. وجانب آخر مهم لإدخال أفكار الجبر وهو أنه سمح بتطبيق الرياضيات على نفسها بطريقة لم تحدث من قبل.”[13]»

وكتب أر راشد وأنجيلا ارمسترونج :

«نص الخوارزمي يمكن أن ينظر إليه على أنها متميز، ليس فقط من الرياضيات البابلية، ولكن أيضا من كتاب ‘آريثميتيكا ” ديوفانتوس، انها لم تعد حول سلسلة من المشاكل التي يجب حلها، ولكن كتابة تفسيرية تبدأ مع شروط بدائية فيها التركيبات يجب أن تعطي كل النماذج الممكنة للمعادلات، والتي تشكل الموضوع الحقيقي للدراسة. من ناحية أخرى، فإن فكرة المعادلة ذاتها تظهر من البداية، ويمكن القول، بصورة عامة، أنها لا تظهر فقط في سياق حل مشكلة، ولكنها تدعو على وجه التحديد إلى تحديد فئة لا حصر لها من المشاكل.”[14]»

صفحة من الترجمة اللاتينية، والتي تبدأ بـ”algorizmi dixit” (تعنی “قال الخوارزمي”)

علم الحساب

الإنجاز الثاني للخوارزمي كان في علم الحساب، توجد الآن الترجمة اللاتينية له ولكن فقدت النسخة العربية الأصلية. تمت الترجمة على الأرجح في القرن الثاني عشر بواسطة أديلارد أوف باث، الذي ترجم أيضا الجداول الفلكية في 1126.

كانت المخطوطات اللاتينية بلا عنوان، ولكن يشار إليها بأول كلتمين تبدا بها : Dixit algorizmi أو (هكذا قال الخوارزمي) ، أو Algoritmi de numero Indorum (الفن الهندي في الحساب للخوازرمي)”، وهو الاسم الذي أطلقه بالداساري بونكومباني على العمل في 1857. العنوان الأصلي العربية ربما كان [46] [15][حدد الصفحة] “كتاب الجمع والطرح ووفقا للحساب الهندي” [16]

عمل الخوارزمي الحسابي كان هو مسؤول عن إدخال الأرقام العربية على أساس نظام الترقيم الهندي العربي المطور في الرياضيات الهندية، إلى العالم الغربي. مصطلح “الخوارزمية” مستمد من ألجورسم، أسلوب الحساب بالأرقام الهندية والعربية الذي وضعه الخوارزمي. كلا من كلمتي “خوارزمية” و”ألجوريسم” مستمدين من الأشكال اللاتينية لاسم الخوارزمي Algoritmi وAlgorismi على التوالي.

هو الذي عالج موضوعات الجبر مستقلة عن نظرية الاعداد وموضوعات الحساب أيضآ. هو الذي ادخل الصفر إلى الاعداد لتكون الاعداد الطبيعية.

علم الفلك

ماجستير في كلية كوربوس كريستي 283

[3] زيج السند هند هو عمل يتألف من حوالي 37 فصل حول حسابات الفلكية وحسابات التقويم و 116 جدول متعلق بالتقويم، والبيانات الفلكية والتنجيمية، وكذلك جدول لقيم جيب الزاوية. وهذا هو أول زيج من العديد من الزيجات العربية التي تستند على الأساليب الفلكية الهندية المعروفة باسم السند هند. [17] أحتوى العمل على جداول لحركات الشمس، والقمر وخمسة كواكب معروفة في ذلك الوقت. ومثل هذا العمل نقطة تحول في علم الفلك الإسلامي. حتى الآن، أعتمد علماء الفلك المسلمين على منهج بحث أولي، وهو ترجمة أعمال الآخرين، وتعلم المعرفة المكتشفة بالفعل. ومثل عمل الخوارزمي بداية طريقة غير تقليدية في الدراسة والحسابات.[18]

فقدت النسخة العربية الأصلية (كتبت 820)، ولكن أفقذ الفلكي الأسباني مسلمة بن أحمد المجريطي (c. 1000) الترجمة اللاتينية، التي كتبها إدلارد أوف باث (26 يناير 1126).[19][حدد الصفحة] الأربع مخطوطات الناجية من الترجمة اللاتينية محفوظة في المكتبة العامة (في شارتر)، ومكتبة مازارين (في باريس)، بمكتبة ناسيونال (في مدريد) ومكتبة بودليايان (في أوكسفورد).

قام الخوارزمي بعدة تحسينات هامة لنظرية وبناء المزولات، التي ورثها من الحضارة الهندية والإغريقية. وعمل جداول لهذه الآلات التي اختصرت الوقت اللازم لإجراء حسابات معينة. كانت مزولته عالمية، وكان يمكن ملاحظتها من أي مكان على الأرض. ومنذ ذلك الحين، وضعت المزولات في كثير من الأحيان في المساجد لتحديد وقت الصلاة.[20]مربع الظل، هي أداة اخترعها أيضا الخوارزمي في القرن التاسع في بغداد وأستخدمت لتحديد الارتفاع الخطي لجسم، بالاشتراك مع العضادة لملاحظات الزاوي.[21]

أخترع الخوارزمي أيضا أول أداة ربعية وأداة قياس الأرتفاع في بغداد في القرن التاسع الميلادي.[22]، اخترع الخوارزمي، أيضا أداة الربع المجيب الذي كانت تستخدم للحسابات الفلكية.[23] وأخترع أيضا أول الربع الحراري لتحديد دائرة عرض، في بغداد، ثم مركز تطوير الربعيات.[23] وكان يستخدم لتحديد الوقت (وخاصة أوقات الصلاة) من خلال مراقبة الشمس أو النجوم.[24] كانت أداة الربعية أداة عالمية، وهي أداة رياضية مبتكرة اخترعها الخوارزمي في القرن التاسع وعرفت فيما بعد باسم (الربعية القديمة) في أوروبا في القرن الثالث عشر. ويمكن استخدامها في أي دائرة عرض على الأرض وفي في أي وقت من السنة لتحديد الوقت في بالساعة من الارتفاع من الشمس. وكان هذا ثاني أكثر أداة الفلكية تستخدم على نطاق واسع خلال القرون الوسطى بعد الأسطرلاب. وأحد استخداماتها الرئيسية في العالم الإسلامي هو تحديد أوقات الصلاة.[23]

الجغرافيا

ثالث عمل الرئيسي للخوارزمي هو كتاب صورة الأرض “وكتاب عن ظهور الأرض” ا، الذي كان في المركز 833. وهو نسخة منقحة وكاملة من كتاب الجغرافيا لكلاوديوس بطليموس، الذي يتألف من قائمة من 2402 إحداث لمدن وغيرها من المعالم الجغرافية التالية للمقدمة العامة.[25]

ليس هناك سوى نسخة واحدة موجودة من كتاب صورة الأرض [71]، محفوظة في مكتبة جامعة ستراسبورغ. والترجمة اللاتينية محفوظة في المكتبة الوطنية لإسبانيا في مدريد. العنوان الكامل للكتاب هو كتاب مظهر الأرض، ومدنها، والجبال والبحار، وجميع الجزر والأنهار، كتبه أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي، وفقا لمقالة جغرافية كتبها الجغرافي بطليموس ذا كلاوديان.

يفتح الكتاب مع قائمة بخطوط العرض ودوائر الطول، وذلك من أجل ” مناطق الطقس”، أي في مناطق خطوط العرض، في كل منطقة جوية، بترتيب خطوط الطول. كما يشير بول جاليز، هذا النظام الممتاز يتيح لنا أن نستنتج الكثير من خطوط العرض وخطوط الطول، حيث ان الوثيقة الوحيدة التي بحوزتنا بحالة سيئة جعلتها عمليا غير مقروءة.

لا تشمل النسخة العربية ولا نسخة الترجمة اللاتينية خريطة العالم نفسها، ولكن تمكن هوبرت دانشت من إعادة بناء الخريطة المفقودة من قائمة الإحداثيات. قرأ دانشت خطوط العرض وخطوط الطول الساحلية من النقاط الواردة في المخطوطة، أو يتوصل إليها من حيث السياق ليست مقروءة. انه نقل النقاط على ورقة الرسم البياني ولها علاقة مع الخطوط المستقيمة، والحصول على تقريب الساحل كما كان على الخريطة الأصلية. ثم فعل الشيء نفسه بالنسبة للأنهار والمدن.[26][حدد الصفحة]

صحح الخوارزمي بطليموس إجمالي المبالغة لمدة من البحر الأبيض المتوسط [27] (من جزر الكناري إلى السواحل الشرقية من البحر الأبيض المتوسط) ؛ بطليموس المبالغة في 63 درجة من خط الطول، في حين أن الخوارزمي تقريبا صحيح انه لا يقل عن حوالي 50 درجة من خط الطول. انه “كما وصف المحيط الأطلسي والمحيط الهندي كأجسام مفتوحة من الماء، وليس بحار مقفلة بالساحل كما فعلت بطليموس”.[28] وبالتالي حدد الخوارزمي خط الطول الرئيسي للعالم القديم على الشاطئ الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، 10-13 درجة إلى شرق الإسكندرية (خط الطول الرئيسي السابق حدده كلاوديوس بطليموس) و 70 درجة إلى غرب بغداد. وواصل معظم الجغرافيين المسلمين في العصور الوسطى استخدام خط الطول الرئيسي للخوارزمي.[27]

بينها بحث عن التقويم العبري بعنوان “رسالة في استخراج تاريخ اليهود”. يصف فيه دورة ميتون التي تمتد ل19 عاما، وقواعد تحديد أي يوم من الأسبوع سيكون اليوم الأول لشهر تِشريه؛ بحساب الفترة الفاصلة بين يوم العالموالعصر السلوقي، ويعطي قواعد تحديد خط الطول المتوسط من الشمس والقمر باستخدام التقويم العبري. ووجدت مواد مشابهة في أعمال البيروني وابن ميمون.[3]

مؤلفات أخرى

العديد من المخطوطات العربية في برلين وإسطنبول وطشقند والقاهرة وباريس تحتوى على المواد أكيدة أو محتمله للخوارزمي. تتضمن مخطوطة إسطنبول ورقة عن الساعات الشمسية، التي ورد ذكرها في كتاب الفهرس. أوراق أخرى، مثل واحدة عن تحديد اتجاه مكة المكرمة، عن علم الفلك الكروي.

تناول نصين اهتماما بحساب مسافة عرض الصباح وهم (معرفة ساعة المشرق في كل بلد)، و(معرفة السمت من قبل الارتفاعʿ).، كما ألف أيضا كتابين عن بناء واستخدام الأسطرلاب. ذكرهم ابن النديم في كتابه (فهرس الكتب العربية) وهم (كتاب المزولات) و(كتاب التاريخ)، ولكن الكتابين فقدوا.

تشكل الرياضيات لدينا يمكن أن يعود إلى الخوارزمي. فكتابه “حساب الجبر والمقابلة “، غطي المعادلات الخطية والتربيعية، حل الخلل في التوازن التجاري والميراث والمسائل والمشكلات الناجمة عن مسح وتخصيص الأرضي. بصورة عابرة، كما أدخل استخدام النظام العددي الذي نستخدمه حاليا، والتي حل محل النظام الروماني القديم.

أيضا مفاتيح العلوم هي من مؤلفاته.[29]

جابر بن حيان

جابر بن حيان

 

جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي عالم مسلم عربي[1][2][3][4]، اختلف من اي بطون الازد ينسب فقيل انه من بارق وقيل من غامد نظراَ لانتشار اسم حيان في ذاك الوقت بين هاتين القبيلتين واشهرهم حيان البارقي الكوفي التابعي والراوي . برع في علوم الكيمياء والفلك والهندسة وعلم المعادن والفلسفة والطب والصيدلة، ويعد جابر بن حيان أول من استخدم الكيمياء عمليًا في التاريخ.[5]

ولد على أشهر الروايات في سنة 101 هـ/721 م[6] وقيل أيضاً 117 هـ / 737 م[7] عالم عربي وقد اختلفت الروايات على تحديد مكان مولده فمن المؤرخين من يقول بأنه من مواليد الجزيرة على الفرات شرق سوريا، ومنهم من يقول أن أصله من مدينة حران من أعمال بلاد ما بين النهرين في سوريا. ولعل هذا الانتساب ناتج عن تشابه في الأسماء فجابر المنسوب إلى الأندلس هو العالم الفلكي العربي جابر بن أفلح الذي ولد في إشبيلية وعاش في القرن الثاني عشر الميلادي. ويذهب البعض إلى أنه ولد في مدينة طوس[8] من أعمال خراسان.

في بداية القرن العاشر الميلادي، كانت هوية وأعمال جابر بن حيان مثار جدل كبير في الأوساط الإسلامية.[9] وكانت كتبه في القرن الرابع عشر من أهم مصادر الدراسات الكيميائية وأكثرها أثراً في قيادة الفكر العلمي في الشرق والغرب، وقد انتقلت عدة مصطلحات علمية من أبحاث جابر العربية إلى اللغات الأوروبية عن طريق اللغة اللاتينية التي ترجمت أبحاثه إليها وعرف باسم “Geber او Yeber”.[10]

وصفه ابن خلدون في مقدمته وهو بصدد الحديث عن علم الكيمياء فقال: إمام المدونين جابر بن حيان حتى إنهم يخصونها به فيسمونها علم جابر و له فيها سبعون رسالة كلها شبيهة بالألغاز».[11] قال عنه أبو بكر الرازي في «سر الأسرار» :«إن جابراً من أعلام العرب العباقرة وأول رائد للكيمياء»، وكان يشير إليه باستمرار بقوله الأستاذ جابر بن حيان.[12][13]وذكر ابن النديم في الفهرست مؤلفاته ونبذه عنه،[14] وقال عنه الفيلسوف الإنكليزي فرانسيس بيكون: “إن جابر بن حيان هو أول من علّم علم الكيمياء للعالم، فهو أبو الكيمياء”، وقال عنه العالم الكيميائي الفرنسي مارسيلان بيرتيلو في كتابه (كيمياء القرون الوسطى): “إن لجابر بن حيان في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق”.[15]

 

حياته

 

صورة لـ ابن حيان

 

ذكرت بعض المصادر، أن جابر هو ابن حيان بن عبد الله الأزدي الذي هاجر من اليمن إلى الكوفة، وعمل في الكوفة صيدلانياً.[16][17] كان والده من المناصريين للعباسيين في ثورتهم ضد الأمويين، الذين أرسله إلى خراسان ليدعوا الناس لتأييدهم، حيث قُبض عليه وقتله الأمويون، فهربت أسرته إلى اليمن،[16][18] حيث نشأ جابر ودرس القرآن والعلوم الأخرى ومارس مهنة والده.[16] ثم عادت أسرته إلى الكوفة، بعد أن أزاح العباسيون الأمويين، لذا ينسب أحيانًا بالأزدي أو الكوفي أو الطوسي أو الصوفي.[19] اختلفت بعض المصادر حول كونه عربيّ أزديّ أم فارسي.[20] في حين يعتقد هنري كوربين أن جابر بن حيان لم يكن عربيًا وإنما كان من موالي قبيلة الأزد.[21] وهناك انضم إلى حلقة جعفر الصادق، فتلقى علومه الشرعية واللغوية والكيميائية على يديه، كما درس أيضًا على يد الحميري،[6][9][22] رغم تشكك البعض في كون تتلمذ جابر على يد جعفر الصادق.[23] ثم مارس جابر الطب في بداية حياته تحت رعاية الوزير جعفر البرمكي أيام الخليفة العباسي هارون الرشيد.

 

وصفه أنور الرفاعي في كتابه تاريخ العلوم في الإسلام: بأنه كان طويل القامة، كثيف اللحية. اشتهر بإيمانه وورعه، وكذلك بتصوفه.[24]. كان يعيش جابر بن حيان في مدينة دمشق القديمة، حيث كان يقضي معظم يوم في غرفة منعزلة يعكف على دراسة الكيمياء.[25]

 

في عام 987، ترجم ابن النديم لابن حيان في الفهرست بأنه كان من أصحاب جعفر الصادق، كما أشار إلى أن جماعة الفلاسفة إدعت أن جابر من أعضائها.[26] كما قال عنه ابن وحشية أن “جابر بن حيان صوفي … وأن كتابه عن السموم عمل عظيم..”. في حين شكك آخرون في نسبة كتابته إليه.[27]

 

وتوفي جابر وقد جاوز التسعين من عمره في الكوفة بعدما فر إليها من العباسيين بعد نكبة البرامكة، سجن في الكوفة وظل في السجن حتى وفاته سنة 197هـ (813 م)[6][7] وقيل أيضا 195 هـ/810 م.[28]

 

أطلقت عليه العديد من الألقاب، منها “الأستاذ الكبير” و”شيخ الكيميائيين المسلمين” و”أبو الكيمياء” و”القديس السامي التصوف” و”ملك الهند”. وكذلك لُقِّب علم الكيمياء نسبة إليه صنعة جابر.

 

إسهاماته

بلغ مجموع ما نسب إلى ابن حيان من مساهمات إلى ما يقرب من 3,000 مخطوطة،[29] إلا أن بول كراوس أثبت أن عدة مئات من تلك الأعمال ترجع إلى عدة أشخاص،[27][30] وأن معظمها تعود إلى أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العاشر، ويعتقد كثير من العلماء أن العديد من تلك الأعمال ما هي إلا تعليقات وإضافات من تلاميذه.[31] ضمت تلك المساهمات مساهمات علم الكونيات والموسيقى والطب والسحر والأحياء والتقنيات الكيميائية والهندسة والنحووما وراء الطبيعة والمنطق والفلك.[27] وقد ترجمت بعض أعماله في الكيمياء إلى اللاتينية في العصور الوسطى، وانتشرت على نطاق واسع بين الخيميائيين الأوروبيين في العصور الوسطى.

تأثر جابر بن حيان بكتابات الكيميائيين المصريون القدماء والإغريق أمثال زوزيموس الأخميمي وديموقريطس وهرمس الهرامسة وأغاثوديمون، بل وكتابات أفلاطون وأرسطو وجالينوس وفيثاغورث وسقراط وتعليقات ألكسندر من أفروديسياس وسمبليسوس وفرفريوس وغيرهم.[27][32]

كما كانت هناك مجموعة ضخمة من الكتابات شبه الأدبية في الخيمياء مكتوبة بالعربية، بأسماء كتّاب الفرس أمثال جاماسب وأوستانس وماني، الذين ذكروا فيها تجاربهم على المعادن والمواد الأخرى. يتضح ذلك أيضًا من العدد الكبير للكلمات ذات الجذور الفارسية كالزئبق والنشادر، والتي توضح اعتماد العرب على الخيمياء الفارسية.[33] كما نقل ابن النديم حوار دار بين أرسطو والخيميائي أوستانس الفارسي، الذي أورده جابر بن حيان في كتابه “مصححات أرسطية”.[34] كما يعتقد المستشرق يوليوس روسكا أن المدارس الطبية الساسانية، لعبت دورًا هامًا في انتشار الاهتمام بالخيمياء.[33]

ومن أهم الإسهامات العلمية لجابر في الكيمياء، إدخال المنهج التجريبي إلى الكيمياء، وهو مخترع القلويات المعروفة في مصطلحات الكيمياء الحديثة باسمها العربي (Alkali)، وماء الفضة.[بحاجة لمصدر] وهو كذلك صاحب الفضل فيما عرفه الأوربيون عن ملح النشادر وماء الذهب والبوتاس، ومن أهم إسهاماته العلمية كذلك، أنه أدخل عنصرَيْ التجربة والمعمل في الكيمياء وأوصى بدقة البحث والاعتماد على التجربة والصبر على القيام بها. فجابر يُعَدُّ من رواد العلوم التطبيقية. وتتجلى إسهاماته في هذا الميدان في تكرير المعادن وتحضير الفولاذ وصبغ الأقمشة ودبغ الجلود وطلاء القماش المانع لتسرب الماء، واستعمال ثاني أكسيد المنغنيز في صنع الزجاج.[بحاجة لمصدر]

ولقد عرَف ابن حيان الكيمياء في كتابه العلم الإلهي بأنه «الكيمياء هو الفرع من العلوم الطبيعية الذي يبحث في خواص المعادن والمواد النباتية والحيوانية وطُرق تولدها وكيفية اكتسابها خواص جديدة».[بحاجة لمصدر]

وقد وضع جابر نظرية رائدة للاتحاد الكيميائي في كتابه “المعرفة بالصفة الإلهية والحكمة الفلسفية”، حيث قال: «يظن بعض الناس خطأً أنه عندما يتحد الزئبق والكبريت تتكون مادة جديدة في كُلِّيتها. والحقيقة أن هاتين المادتين لم تفقدا ماهيتهما، وكل ما حدث لهما أنهما تجزَّأتا إلى دقائق صغيرة، وامتزجت هذه الدقائق بعضها ببعض، فأصبحت العين المجردة عاجزة عن التمييز بينهما. وظهرت المادة الناتجة من الاتحاد متجانسة التركيب، ولو كان في مقدرتنا الحصول على وسيلة نفرق بين دقائق النوعين، لأدركنا أن كلاً منهما محتفظ بهيئته الطبيعية الدائمة، ولم تتأثر مطلقًا».[35]

ويمكن تشبيه هذه النظرية بالنظرية الذرية التي وضعها العالم الإنكليزي جون دالتون.

وقد قسم جابر المواد حسب خصائصها إلى ثلاثة أنواع مختلفة، وهي :

  1. الأغوال، أي تلك المواد التي تتبخر عند تسخينها مثل الكافور، وكلوريد الألمنيوم.
  2. المعادن مثل الذهب والفضة والرصاص والحديد.
  3. المركبات، وهي التي يمكن تحويلها إلى مساحيق. وخلاصة القول، حسب “سارتون”، إنه لا يمكن معرفة القيمة الحقيقية لما قام به جابر إلا إذا تم تحقيق وتحرير جميع مؤلفاته ونشرها.[بحاجة لمصدر]
  • الميزان: كان جابر ابن حيان من أول من استعملوا الميزان في قياس مقادير المحاليل المستعملة بتجاربه الكيميائية، حيث كانت عنده وحدات قياس خاصة به، وكان أصغرها هو الحبة التي تبلغ قيمتها نحو 0.05 من الغرام (جزء من 6840 من الرطل).[35]
  • الاحتراق: توصَّل جابر بتجاربه إلى حقيقة أن المواد القابلة للاحتراق عندما تشتعل بالنيران تطلق إلى الجوّ الكبريت وتخلِّف وراءها الكلس).[36]
  • الحبر والورق والطلاء: تمكَّن جابر من اختراع نوع مضيء من الحبر، ليساعد على قراءة المخطوطات والرسائل في الظلام. كما اخترع بطلبٍ من الإمام جعفر الصادق نوعاً مضاداً للاحتراق من الورق، حيث كتب بهذا الورق كتاب جعفر الذي وضع في مكتبة دار الحكمة. كذلك اكتشف نوعاً من الطلاء إذا دهن به الحديد يصبح مضاداً للصدأ، وإذا دهنت به الملابس تصبح مضادَّة للبلل بالماء. كما وقد اكتشف طرقاً لتحضير مركَّبات عديدة، مثل الفولاذوكربونات الرصاص وكبريتيد الزئبق وحمض الأزوتيك.[37]

الكيمياء في عصره

بدأت الكيمياء خرافية تستند على الأساطير البالية، حيث سيطرت فكرة تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة وذلك لأن العلماء في الحضارات ما قبل الحضارة الإسلامية كانوا يعتقدون المعادن المنطرقة مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير من نوع واحد، وأن تباينها نابع من الحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة الكامنة فيها وهي أعراض متغيرة (نسبة إلى نظرية العناصر الأربعة، النار والهواء والماء والتراب)، لذا يمكن تحويل هذه المعادن من بعضها البعض بواسطة مادة ثالثة وهي الإكسير. ومن هذا المنطلق تخيل بعض علماء الحضارات السابقة للحضارة الإسلامية أنه بالإمكان ابتكار إكسير الحياة أو حجر الحكمة الذي يزيل علل الحياة ويطيل العمر.

أمثلة توضيحيةعلى مختلف التجارب والأدوات المستخدمة من قبل جابر بن حيان

وقد تأثر بعض العلماء العرب والمسلمين الأوائل كجابر بن حيان وأبو بكر الرازي بنظرية العناصر الأربعة التي ورثها علماء العرب والمسلمين من اليونان.[6] لكنهما قاما بدراسة علمية دقيقة لها؛ أدت هذه الدراسة إلى وضع وتطبيق المنهج العلمي التجريبي في حقل العلوم التجريبية. فمحاولة معرفة مدى صحة نظرية العناصر الأربعة ساعدت علماء العرب والمسلمين في الوقوف على عدد كبير جداً من المواد الكيماوية، وكذلك معرفة بعض التفاعلات الكيماوية، لذا إلى علماء المسلمين يرجع الفضل في تطوير اكتشاف بعض العمليات الكيميائية البسيطة مثل: التقطير[38] والتسامي[39] والترشيح[40] والتبلور[41] والملغمة[42] والتكسيد. وبهذه العمليات البسيطة استطاع جهابذة العلم في مجال علم الكيمياء اختراع آلات متنوعة للتجارب العلمية التي قادت علماء العصر الحديث إلى غزو الفضاء.

بعض انجازات ابن حيان

هذه قائمة بسيطة وموجزة حول بعض منجزات جابر بن حيان في علوم الكيمياء:

  • اكتشف “الصودا الكاوية” أو القطرون (NaOH).
  • أول من إستحضر ماء الذهب.
  • أول من أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحلّ بواسطة الأحماض. وهي الطريقة السائدة إلى يومنا هذا.
  • أول من اكتشف حمض النتريك.
  • أول من اكتشف حمض الهيدروكلوريك.
  • اعتقد بالتولد الذاتي.
  • أضاف جوهرين إلى عناصر اليونان الأربعة وهما (الكبريت والزئبق) وأضاف العرب جوهرا ثالثا وهو (الملح).
  • أول من اكتشف حمض الكبريتيك وقام بتسميته بزيت الزاج.
  • أدخل تحسينات على طرق التبخير والتصفية والانصهار والتبلور والتقطير.
  • استطاع إعداد الكثير من المواد الكيميائية كسلفيد الزئبق وأكسيد الارسين (arsenious oxide).
  • نجح في وضع أول طريقة للتقطير في العالم.فقد اخترع جهاز تقطير ويستخدم فيه جهاز زجاجي له قمع طويل لا يزال يعرف حتى اليوم في الغرب باسم “Alembic” من “الأمبيق” باللغة العربية. وقد تمكن جابر بن حيان من تحسين نوعية زجاج هذه الأداة بمزجه بثاني أكسيد المنجنيز.
  • صنع ورق غير قابل للأحتراق.
  • شرح بالتفصيل كيفية تحضير الزرنيخ والانتيمون.

كتبه

مؤلفاته[عدل]

تعود شهرة جابر بن حيان إلى مؤلفاته العديدة، ومنها “كتاب الرسائل السبعين“، ترجمه إلى اللاتينية جيرار الكريموني سنة 1187م وتضاف إلى هذه الكتب تصانيف أخرى عديدة تتناول، إلى جانب الكيمياء، شروحاً لكتب أرسطووأفلاطون ؛ ورسائل في الفلسفة، والتنجيم، والرياضيات، الطب، والموسيقى. وجاء في “الأعلام” للزركلي أن جابراً له تصانيف كثيرة تتراوح ما بين مائتين واثنين وثلاثين (232) وخمسمائة (500) كتاب، لكن ضاع أكثرها. وقد ترجمت بعض كتب جابر إلى اللغة اللاتينية في أوائل القرن الثاني عشر، كما ترجم بعضها من اللاتينية إلى الإنجليزية عام 1678. وظل الأوربيون يعتمدون على كتبه لعدة قرون، وقد كان لها أثر كبير في تطوير الكيمياء الحديثة. وفي هذا يقول ماكس مايرهوف : يمكن إرجاع تطور الكيمياء في أوروبا إلى جابر ابن حيان بصورة مباشرة. وأكبر دليل على ذلك أن كثيراً من المصطلحات التي ابتكرها ما زالت مستعملة في مختلف اللغات الأوربية.

شهادات غربية

إن جابر بن حيان هو الذي وضع الأسس العلمية للكيمياء الحديثة والمعاصرة ، وشهد بذلك كثير من علماء الغرب.

  • قال عنه برتيلو (Berthelot): “إن لجابر في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق” .
  • قال عنه الفيلسوف الإنكليزي فرانسيس باكون: (إن جابر بن حيان هو أول من علم علم الكيمياء للعالم، فهو أبو الكيمياء)
  • يقول ماكس مايرهوف: يمكن إرجاع تطور الكيمياء في أوروبا إلى جابر ابن حيان بصورة مباشرة. وأكبر دليل على ذلك أن كثيراً من المصطلحات التي ابتكرها ما زالت مستعملة في مختلف اللغات الأوربية.

لقد عمد جابر بن حيان إلى التجربة في بحوثه ، وآمن بها إيمانا عميقا . وكان يوصي تلاميذه بقوله :”وأول واجب أن تعمل وتجري التجارب، لأن من لايعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان. فعليك يابني بالتجربة لتصل إلى المعرفة”.

التشكيك بجابر بن حيان

شكك عالم الكيمياء الفرنسي مارسيلان بيرتيلو في صحة عائدية بعض الكتب الى جابر بن حيان. خاصة تلك الكتب المكتوبة باللاتينية حيث يعتقد بيرتيلو بان هذه الكتب لاتعود الى كاتب عربي وانما لكاتب لاتيني وضع اسم جابر واخفى اسمه.

الا ان الشيخ السني ابن تيمية يشكك في وجود جابر اساسا ويعتبره غير موجود[43] يُشار الى ان ابن تيمية يتخذ موقفا سلبياً بالعادة من العلماء الشيعة اضافة الى موقفه السلبي من علم الكيمياء[44].

وفي ظل هذا التشكيك يقول ابن النديم:”ان رجلا فاضل يجلس ويتعب، فيصنف كتاباً يتعب قريحته وفكره باخراجه، ويتعب يده وجسمه بنسخه، ثم ينحله الى غيره -اما موجودا او معدوما- ضرب من الجهل، وان ذلك العمل لايدخل تحته من تحلى ساعة واحدة بالعلم، واي فائدة من ذلك او عائدة؟”[45].

وفاته

توفي في عام 815 م في الكوفة بالعراق وهو في الخامسة والتسعين من عمره.